الخميس، أبريل 08، 2010

حيرة سرمدية

حضرت بالامس ندوة للمستشار طارق البشري , وهذا الرجل اشعر انه فعلا " حكيم " فتواضعه جم , لم اعهده من قبل و لا توجد به كثير من الامراض الاجتماعية التي تصيب المعظم ممن انعم الله عليهم ببعض الحكمة او نفاذ البصيرة ... اشعر فعلا ببراءة غير عادية في اسلوب كلامه ( رغم ان اسلوب حديثة عد يكون هادئ اكثر من اللازم بعض الشئ لشخصية متحركة و حيوية مثلي ) الا انه لا بأس من احتمال هذا العيب الوحيد للظفر بكنزٍ ثمين من الحكمة و التأملات الخصبة

كان عنوان المحاضرة عن " الانتماء و دوائرة المتحاضنة " و هو مفهوم ركبه و شرحه علي انه مثل التروس المختلفة الاحجام و التي تدور في اتجاهات مختلفة , و لكن الحكومة الحصيفة هي من تستطيع ان تركب تروس كل المجتمع كي تدور عجلت انتاجه و لا تتعارض مع بعضها , و لكن ان ركبتها بشكل لا يراعيها , دارت علي بعضها بشكل خاطئ و كسر الترسين بعضهم البعض... كما تحدث عن ان يري الجماعة تأتي قبل الفرد و ان المجتمع القوي يعطي قوة و اطمئنان للافراد المنتمين اليه فانتماء الفرد للجماعة شئ من صميم التكوين الانساني, و انه من سخف و اجحاف ميثاق الامم المتحدة ان تتحدث عن حرية الافراد و هي تهين الجماعات ( صمام امان الافراد ) داخل نظامها , و عدد الجماعات التي قد ينتمي اليها الفرد و صنفها عدة تصنيفات منها الاختياري - عمل او حزب سياسي نوع تعليم او حتي تشجيع فريق رياضي بعينه - و منها الجبري - نسب/عرق (قبلية ) او دين/ ثقافة او لغة (قومية ) ... و يري ان الانتماء الجبري اقوي كثيرا من الانتمائات الاختيارية . و يختلف مع التصنيف الاوروبي الغربي الذ1ي يقول ان النموذج الامثل للانتمائات هو ان يبدأ بقبلي --------> ديني --------> قومي .... فهو يقول ان الغرب نفسه لم يلتزم بهذا التعريف كما يريد ان يفرضه الغرب لينا - طواعية او بالقوي الناعمة - او ان نتبناه بشكل ببغائي من تلقاء انفسنا علي انه النموذج الامثل للرقي .... فيقول ان الماركسية و الصهيونية هما انتمائات دينية /ثقافية ... و دخلت في تشكيل المجتمعات الحديثة

و من الكلمات التي استرعت انتبائي بشكل خاص ما قاله نقلا عن مفكر لا يعلم عنه الكثيري شئ ( ولا حتي انا اول مرة اسمع عنه منه ) اسمه :رفيق العظم ... اسس جريدة الشوري و توفي عام 1925 , يقول ان مؤلفاته قليلة و لكن اسلوبه و افكاره غاية في التنظيم و الجودة ... ينقل علي لسانه " انه يري ان الانسان لابدان ينتمي الي دائرة محددة مثل الوطن او غيره , و ان دوائر الانتماء الانسانية في حالة صراع مستمر , لا تتزن الامور الا ان كانت الدوائر التي ينتمي اليها مختلف البشر متكافئة و الا بحث الانسان عن دائرة انتماء اقوي تدعمه ان كانت الدائرة الاساسية التي ينتمي اليها لا تدعمه في مواجهة الدوائر الاخري ....

ربما لم ينتبه الكثيرين ممن حضروا المحاضرة الي تلك الجملة او الفقرة التي تناول فيها المستشار افكار رفيق العظم , و لكنها وقعت موقع خاص في نفسي ... و ايقظت داخلي قضية بدأ فكري ينحوا اليها في الاوان الاخيرة ... و لن انكرها لاني لا اكتب الا ما افكر و اعتقد به و ليست اكتب كي يصفق لي من يعرفونني فلست اسعي لارضاء احد فقط ابحث عن الحقيقة و اتمني ان يهديني الله اليها و هي من القضايا لم احسمها بعد داخلي و لكني اجد نفسي اتجه الي هذا التفكير في تناولها و يغلب على

هذا الامر هو انكاري لهويتي المصرية و رغبتي الحقيقية في عدم الانتساب لتلك البلد , لم اجد له تفسير الا ما قاله رفيق العظم , ان الدائرة التي ننتمي اليها بالاجبار ( و ان كنت اختلف مع المستشار في هذا فكل شئ يمكننا ان نغيره فالمرء يستطيع ان يغير لغته و مكان سكنه و جنسيته و حتي دينه و لكن النسب هو الشئ الوحيد الجبري الحقيقي في تصنيفه و ان كنا نستطيع ان نتغلب علي هذا الامر بشكل جزئي بان نتزوج من ابناء بلدان و ثقافات اخري و بعلاقة المصاهرة نصبح حزء منهم و يصبح ابنائنا في هذا النسيج الجديد ) ان الدائرة التي نتمي اليها بالاجبار المجزاي هي دائرة مهلهلة و ان كانت ذات تاريخ عريق ... و لكن تاريخ دون حاضر لا يجدي ولا ينفع في ظل نظام عالمنا المعاصر الذي لابد ان تكون الجماعة التي ينتمي اليها الانسان قوية حتي يستطيع ان يستمد قوته منها ... لان الدائرة الاساسية (مصر ) التي ننتمي اليها اصبحت مهلهلة و غاية في الاهتراء , اصبحنا نبحث عن دوائر فرعية اخري نستمد منها قوتنا و نريدها ان تطفو علي السطح ( ديني او عرقي ) او رغبه منا في ايجاد دوائر اكثر قوة ننتسب اليها خارجية ( من يريد السفر و الهجرة و تغيير الجنسية )

هذا التفكير ينكأ جرح داخلي كما قلت لم احسم وجه نظري الاساسية فيه بعد ... فان الرغبة في الانتماء لدائرة اقوي و اشمل و افضل هو محاولة للقفز من المركب قبل الغرق ( في الواقع هو غارق منذ امد بعيد و من سافر و عاش بالخارج يقول علينا اننا لا نعيش من اصله ) لان السبيل في اصلاحه غير موجود , او حتي ان وجدت لن اشاهدها بعيني , فالبيئة الموجودة الان اكثر من رديئة و اكثر من سيئة و لن يستطيع فرد بعينه ( او حتي مجموعة بسيطة من الافراد ) ان يصلحوا فساد متجذر فينا منذ امد بعيد , لست انانية و لكن من حقي ان اعيش و اسكن في بلد يراعي ادميتي و يحترمها , يقدر مواهبي و قدرتي العقلية ( لست مغرورة و لكن لابد من ان يدرك الانسان نفسه دون افراط ولا تفريط ) و اشعر اني اعمل في مجال ادمي لا يهدر انسانيتي ولا يستعبدتي من اجل المادة , و في نفس الوقت لا انسي نفسي ... لقد فقدت الثقة في كل شئ في بلدنا خاصة اني علي علاقة قريبة بالقطاع الصحي و اري فيه مهازل رهيبة لا يصدقها عقل ( من ايام دكتور البرت سيسيل " مصر 1937- 1942"لم يختلف الامر كثيرا - كتاب ساعة عدل واحدة ) بل و هناك حالة من تفريغ البلد من كوادرها بشكل منظم تكرس لعودة نظام اقطاعي بغيض بشكل اكثر بشاعة و سوء .... تهدف لحالة واحدة " من يملك المال يحكم و فقط دون اي اعتبارات اخري ... ظهرت ادبيات كثيرة تتنبأ بهذا الوضع الكارثي الذي ينمو ببطئ الخلايا السرطانية


اتفائل لأي بارقة امل في التغيير , و اقول ان الامل لن يموت الا بفناء الجنس البشري , لكني اعود لاقول ان الواقعية تملي علينا بعض الظروف و الشروط , فلا اريد ان اكون حبيسة الاوهام و ان ينقضي عمري هدرا و انا احارب طواحين الهواء دون اي تغيير حقيقي , و لكني اعود لاقول انه منذ متي الانسان ثنائي البعد تتحكم به الواقعيات الماديات فقط ؟؟؟ فالقدرة علي الحلم و الايمان الصادق به و رفض الامر الواقع هو من سمات الانسان الغير مادي المتجاوز ( سيفهمني المسيريين اكثر من غيرهم ) ان استسلمت لها فلن اختلف كثيرا عن الافراد المتمحورين حول ذاتهم الذين يسعون لقصتهم الخاصة فقط و ينسون القصة العامة التي تجمعنا كلنا بداخلها .... انا في حيرة من امري و تتنازعني رغبتان ... رغبة في واقعية الخلاص الشخصي و رغبة مستحيلة في الاصلاح الذي حتي الان لم دري طريقه بعد :(