الأحد، ديسمبر 01، 2013

مشكلتي مع ما بسمى بالطرح الإجتماعي الثوري


لدي مشكلة مع الطرح الإجتماعي الذي يزعم أن يكون ثوريًا في عدة محاور:

-  التغييرات الإجتماعية عمومًا تغييرات بطيئة ,و ما يأتى سريعًا فيها يذهب سريعًا , لانه قد يكون منبني علي تأثر انفعالي عاطفي عابر لا تأثر عقلاني عميق حقيقي مستمر ,  أيضًا لأنها هذا النوع من التغييرات لا يتحكم فيه محدد واحد أو عدة محددات يسهل التحكم فيه , علي العكس , عدد المحددات و المؤثرات التي تتحكم في هذا الأمر تكاد تكون غير محدودة ولا يمكن التحكم فيها بشكل كامل . كل ما يمكننا فعله هو محاولة دراسة ما يمكننا فعله و ترك الباقي التفاعل يأخذ مجراه و لكن نحاول تقييمه و تصويبه دائمًا إن إعتراه خلل . 


- المشكلة الأزلية التي نعاني منها و أزعم أنها سبب كل مشاكلنا المعاصرة هي الانفصال ما بين النظرية و التطبيق بشكل شبه كامل , لا المنظرين يعيشون في الواقع بكل تعقيداته ولا التطبيقات تستند إلي مرجعيات . و كل مصمم علي السير في طريقه بدون اي تنازل لذا تنفرج الزاوية ما بين الإثنين و نسقط في الضياع ... 


- عندما يتم الحديث عن التعدد مثلا , أو أن الزواج لا ينبغي أن يكون كاثوليكيًا ( أي ارتباط أبدي بل يمكن الإنفصال عادي و لابد تقبل هذا الامر ) هل هذا الطرح طرح مسؤول متناسب مع الواقع الذي نعيشه ؟؟ الواقع الذي نعايش  له مستويات عديدة , فهو تارة يعاني من صعوبة الزواج ( لاسباب كثيرة منها الكارثة الإقتصادية و منها عدم وجود ثوابت اخلاقية و منها الملائمة ) مجتمعنا يعاني من زيادة معدلات الطلاق , يعاني اصلا من ان الرجال لا يستوعبوا النساء و النساء لا يستوعبن الرجال , أصبح هناك فصل حدي مفتعل يؤثر علي صحة العلاقات الانسانية بين الجنسين أو انخراط كامل دون أي مرجعية او ضوابط بينهما و يكون الفعلان ردًا على أحدهم الاخر ...


- النموذج المختزل الذي يتم ترويجه  دائمًا ما يقدم نتيجة نهائية و صورة نمطيه , و يتجاهل التفاعلات الإنسانية العديدة المعقدة التي تحدث في الخلفية و الكواليس ... و هذا يدمر في العلاقات الإجتماعية اكثر منه يبني  و لأننا للاسف لم نربي علي نمط نقدي او باحث عميق , نجد ان من يرى تلك الصورة يحاول تقليدها بحذايرها , و يتجاهل كم المعاناة و التفاعلات التي تمت في الخلفية التي نتج عنها تلك الصورة الجميلة و التي ما ان اقتربت منها ستظهر لك نقائصها البشرية مثلها مثل أي شئ ... 
دائمًا ما ننظر للناجح علي انه ذكي و عبقري , ولا نرى كم التعب الذي بذل و السهر و العرق و البحث و انهيار الاعصاب كي يحصل علي ما هو فيه من مكانه , نظن ان البيوت الجميلة لم يقدم في مقابلها الكثير من التفاهم و الصبر و قبلهما التأني في الإختيار و السعي لإنجاح هذا البيت ايا كانت الصعاب و عدم الاستسهال و التخلص من الانانية و تقديم قيم البذلو العطاء . 


- قد تكون الافكار التي تنادي لها في المطلق صحيحة ولا يختلف عليها أحد , و لكن لابد أن نري الي اين نخطو و ما هو موضع قدمنا حتى لا نذل و نقع و تكون تلك الافكار رغم صحتها وبال علينا , الارضية الطينية ينزلق عليها الاساس مهما كان جيدًا ولا يكون ثابتًا , فلابد من العمل علي التربة نفسها ( تجففها و تدكها و تساويها ) حتي تكون صالحة للبناء . مهما كان شرابك صافيًا لن يكون ذي قيمة و سنضطر للتخلص منه إن وضع في كوب شديد الإتساخ , لابد من تنظيف الكوب ليسهل عليه حمل الشراب الصافي و التمتع بطعمه الجميل . دائمًا هناك عوامل لابد من الإنتباه لها حتي لا نقع في شرك بحس نية و ينقلب الامر كله علينا ... النوايا الحسنة لا تشفع لتوقف السنن الكونية .  
ما يحدث مثلا في موضوع التعدد لا يكون بنفس المثالية الذي يتم به ترويج الافكار , و لكن يكون غالبًا ما ينفصل الرجل عن زوجتة التي صبرت عليه في وقت فقره و تنازلت عن الكثير من حقوقها حتي وصل الي ما وصل اليه ثم اراد ان يستمتع بهذا النجاح فبدلًا من مكافئتها طلقها او تزوج بآخرى اصغر منه بكثير و اصبح يغدق عليها من المال ما يقتر به علي الاولي ام الابناء . هناك عدة أمثلة للتعدد ( زواج من 3 و ليس حتي 2 ) اراها في دوائر اصدقائي و هي كارثية للاسف , يبحث فيها الرجل عن ما يرضيه فقط ولا يفكر في الاخرين و غالبًا ما يكون الاطفال و عدم تربيتهم هو الثمن الذي يدفع لإختلال الميزان . الظريف ان المستفيد من هذا الوضع هو امرأة اجنبية الزوجة (الأخيرة ) الذي كفل لها القانون الوضعي ما لم يكفل التطبيق المخل للقانون الإلهي للزوجتان المصريتان . 

أي فتنة نتحدث عنها ؟؟ الم يكن من الأولي ان نتحدث عن إعلاء قيم مثل العدل و حسن المعاملة ؟؟ ان نعطي الواجبات التي علينا قبل أن نسعى لأخذ حقوق نظن انها لنا ؟؟ ليس حديثًا نظريًا نسخر منه و لكن يكون حقيقي من الشيخ لتلامذته و مريديه و بين الاخ الاكبر و الصديق لأصدقاؤه , اذكر مثلا والد صديقة لي كانت تحكي لي عنه انه كان يرفض دعوات الغذاء المفاجئة من اصدقاؤه لانه كان يشفق علي الزوجة المسكينة من اعداد طعام مفاجئ و يؤدب أصديقاؤه و يعلمهم كيف يحسنوا التعامل مع النساء !!! هذه هي النماذج و القيم التي يجب ان تتداول و تروج . 


المشكلة الاساسية في الفهم , لا يفهم الكثير ولا يعرف كيف يوصف إحتياجاته , و بدل من ان يحاول فهم نفسه يبحث عنها في قراءة قصة او مشاهدة فيلم,  لا يفهم مشاعره ولا ما هي طبيعته ( هل هي طبيعة عاطفية بحتة تريد مشاعر متؤججة أم طبيعة عقلانية ام طبيعة مرحة مهزارة ام طبيعة تميل للخروج و الاستكشاف و ارتياد الرحلات أم جوانية تكتفي بالتأمل و الصمت أم برانية تستطيع ان توزع مشاعرها علي العالم ليضئ بها  ام ام ام ) لا يوجد نمط واحد لفهم الجميع , هل ما يستطيع الاخرين تحمله هل يمكن أن اتحمله انا بمنتهي الواقعية و لفترة طويلة  ؟؟ هل اصلا مررت بمراحل التطور الانفعالي للمرء ( الإعتمادي  - الإستقلالي - التشاركي )  و هي ان يشبع من حب والديه و يكون معتمد عليهم في فترة ما من حياته في مرحلة الطفولة , ثم يمارس مراهقته في البحث عن الذات  و محاولة التفاعل مع العالم و الاستقلال , ثم النضج بإدراك المرء انه لن يمكن ان يستمر او يعمر الكون و هو مستقل و ( مع نفسه ) فلابد من التشارك و العطاءالطوعي , يبحث عن عمل و شريك حياة ليكون هذا تتويج لحياته .. 

الكثيرين لا يزالوا عالقين في مرحلة الطفولة النفسية حيث تفعل لهم اسرهم كل ما يريدون , هم لم يطروا ذواتهم و يستقلوا و يقوموا بأمورهم  و بالتالي لا يمكنهم التشارك و العطاء طواعية ... هم ما يزالوا اطفال يريدو الأخذ غير المشروط من الطرف الاخر و فقط . أو قد يظهر هذا الامر في النساء حيث تكون البنت بنت امها و تعتمد عليها اعتمادية شديدة في كل شئ تقريبًا و لا راي لها و يشعر الزوج انه تزوج بحماته لا بإبنتها !!!

هناك ايضًا من لا يزالوا عالقين في مرحلة المراهقة , حيث الاستقلالية الشديدة بالنفس و عدم الإكتراث بالآخرين , ولائهم لاصدقائهم فقط و ليس للأهل ولا حتي للأسرة التي كونها , لا يزال يخوض مغامرات عاطفية و غير قادر علي تحمل مسؤولية جادة . هم غير قادرين علي العطاء الطوعي لانهم لا يريدون اي قيود من الآخرين ... 


هناك قيم كثيرة جدًا تأسيسية لابد من تقديمها بشكل عملي قبل ان نطلب من المجمع ان يتغير , و قبل ذلك علينا بدراسة واقعية لمشاكلنا التي نراها في الحياة , و علي كلٍ هي علاقة تفاعلية لا نهائية , كل يقدم ما يقدر عليه في رحلة  الإنسانية المتنوعة بشكل رهيب .  

الاثنين، نوفمبر 11، 2013

نحتاج لبعض الجنون

من ضمن التهم التي كان يتهم بيها نبينا الكريم (صلي الله عليه و سلم ) أنه مجنون . و كنت كثيرًا اتعجب من تلك التهمة . فبقية التهم الأخري كالشاعر أو الكاهن أو الساحر منطقية في السياق الذي أتى به , فهو يقول كلام موزون مسجوع مثل الشعر , و تأثيره ساحر علي الناس عجيب فمن يستمع إليه يسلم له , و هو أتي بدين جديد فهو كاهن . لكن كيف يكون مجنون ؟؟ فالجنون لا يستقيم من المنطق المحكم الذي أتى به .

ثم حدث موقف آخر أعاد لي التفكير القديم و جعلني أنظر للأمر من زاوية مختلفة , علمت أن أخو صديقة لي -  أشهد لها بحسن الخلق - قد تم إعتقاله ظلمًا , و لكنه لم يتوقف  عند الإعتقال أو لعن الظروف و سلبهم لحريته و عدم وجوده في البيئة الطبيعية المفترض ان يتواجد فيها طبيب شاب له أطفال حديثي الولادة و أسرة جميلة . فقد هذا كله و جلس في ظروف شديدة اللا آدمية و البؤس حيث القذارة و ضيق الزنزانه و عدم وجود مبرر لوجده في كل تلك المهانه .

هذا هو الجزء الأول الذي لا يتنبه إليه الكثيرين , و ينتقلوه تلقائيًا علي الجزء الثاني من الموقف .

الجزء الثاني يقول أنه لم يتوقف عند كل تلك المعاناه , و لكنه إتخذها فرصة ليعيد حفظ القرآن بس و ليجيز آخرين في تلاوته و حفظه , و حفظ أحدهم عدد كبير من الآجزاء , و قام آخرون بمساعدة من هم اقل منهم حظًا من رزق الدنيا بمعونات مادية دون أن يعلم متلقوها من أرسلها . هذا جزء مشرق وسط البؤس . 

أتأمل كثيرًا فيما فعل , و أضع نفسي مكانه بكل الظروف القاسية , كيف سأتصرف ؟؟ يكون لي عملي و دراستي التي لم أكملها بعد و أبنائي حديثي الولادة و زوج و أسرة و اُحرم من كل هذا بدون أي ذنب أو جريمة  ... أعتقد أني سأكون ناقمة جدًا علي البلد و كل شئ و اتمني موتهم و قتلهم و الإنتقام مما حدث , أو حتي سأكون زاهدة في كل  شئ حولي و (يكش تولع عالم ولاد تيت , انا مال اهلي بشوية الحسالة دول ) . اعتقد أن تصرفه هو نوع من " الجنون " . فإن كنت في مكانه فلم أكن لأتصرف بمثل تلك التصرفات التي هي غير مبنية علي المؤدمات الكئيبة و الحزينة و الظالمة , و لكنه تصرف بناء علي الفكرة التي يؤمن بها و تسيطر عليه و هو " الجنون"  الذي يسم كل من يؤمن بفكرة  معينة . جزء من الجنون هو أن تنفصل عن واقعك و تعيش حياتك كيفما تراها انت , الجنون أن تؤمن بشئ لا يراه أحد غيرك و تتصرف علي انه يقين رغم أن الجميع يقول لك أنه غير موجود . غير أن المريض بالجنون الحسي هو ناتج عن  خلل في عمل حواسة الخمسة ( فهو قد يري اشياء غير حقيقية و يستمع لأصوات غير حقيقية ) و لكن الجنون الفكري هو أن تؤمن بفكرة قد لا يوافقك عليها أحد . تؤمن بها حد اليقين .

الإشكال الأزلي هنا , أنه ليس شرطًا لأنك تؤمن بما لا يؤمن به الآخرون أن تكون علي صواب , قد تكون علي صواب و قد تكون علي خطأ و ضلال مبين . لذا فنحن ندعو الله دائمًا و نقول اللهم أرنا الحق حقًا و إرزقنا إتباعه , و أرنا الباطل باطلًا و ارزقنا إجتنابه .

بناء علي الموقف السابق , اري أن كثيرين يتمنون الإعتقال أو الأبتلاء ليكونوه مثله أو مثل كل من تعامل مع أزمة السجن الظلم بشكل إيجابي !!! و ما أدراك أن ظروف إعتقالك ستكون جيدة من ناحية الصحبة ؟؟ أوليس هناك كثيرين معتقلون بشكل إنفرادي يكاد يصيبهم الجنون ؟ قد تعتقل فعلًا و لكن قد تسجن مع مسجونين جنائيين يتناوبون الإعتداء عليك بالضرب و بشتى أنواع التنكيل و التعذيب و لا دية لك . إن تعمقنا قليلًا في ظروف حبس أخو صديقتي سنجد أنه معتقل مع مجموعة طيبة و ليس بينهم جنائيين في نفس الزنزانة , سنجد عوامل كثيرة أخري إطلعت عليها و هي ليست صفة متكرره في المعتقلات و السجون و لكن كانت ظروفه كذلك .

أعتقد أن الصواب هو أن نسأل الله يقينًا بالفكرة و جنونًا يجعلنا نتصرب وفقًا للفكرة و ليس وفق للظروف الكئيبة و المحزنة التي نواجهها , لا أن نتمني ظرفًا أو حالة قد لا تناسبنا بنفسيتنا و تكويننا إن وضعنا فيها . فلكل إنسان لديه كفل من إبتلاؤه , فهناك من يعاني من عدم وجود صحبة صالحة , و هناك من يعاني من ضيق ذات اليد , و هناك من لم يجد زوجه بعد و يفتقده كثيرًا , وو هناك من إبتلي بسوء خلق الزوج , و  هناك من وجده و لكنه لم يرزق بالابناء و هو يريد , و هناك من رزق بالأبناء و هو لا يريد ,و هناك من إبتلي بعائلة زوج متعبة ,  و هناك من إبتلي بالغربة في بلد موحش كئيب , و هناك من ابتلي بالمرض المزمن في نفسه أو أحد المقربين منه , أو وفاه أحد االوالدين أو الزوج أو حتي الأبناء , و هناك من إبتلي من الحرمان من العزوة والعائلة و السند , و هناك من إبتلي بالتيه و لم يستطع أن يجد نفسه بعد و يؤرقه هذا الامر كثيرًا , و هناك من ابتلي بالسجن و الإعتقال , و هناك من إبتلي بالوجود في مدينة نائية أو حتي في أن يعيش في مصر بعدما كان في بلد محترم , و هناك و هناك و هناك .... فلا حد للإبتلاءات و كل يأخذ حسبما يرى الله ان يضعه ,  و الرضا بالقضاء خيره و شره هو من أركان الإيمان . و ليس الرضا هو الخنوع و لكن الرضا هو بذل الجهد حيث توضع , فلسنا نستطيع السيطرة علي كافة مقدراتنا و لكن لابد من العمل و الجهد في المساحة المتاحه لدينا .

=============================
نص الحالة التي كتبتها صديقتي عن أخيها :
اخويا كان داخل المعتقل معاه إجازتين ( إجازة فى قراءات قرآن) .. دخل معاه شيخ معاه واحدة تالتة أجازُه فيها جوّه .... وهو الاسبوع اللى فات أجاز واحد كان بيحفظ معاهم  .. وناويين يكملوا بالطريقة دى كله بيحفظ وكله بيدرس وأى حد بيجيد حاجة بيعلمها للباقين .. حتى فيه واحد بيعلمهم الرسم .. ومعاهم شباب صغير لسه ثانوى وفيهم رجال أد أبهاتهم والله بيربوهم جوه تربية أحسن من اللى أهاليهم كانوا بيربوها .. وبيكبروهم سنين فى شهور 

فى نفس الزنزانة فيه ناس حالتهم المادية ميسورة وناس على أد حالهم وعائلهم هو المعتقل .. فى ايام معدودة تم تكوين شبكة علاقات واسعة بين اهالى المعتقلين .. ووالله رأيت بعينى أسر تكفل أسر .. يصل لبيت احدهم المال وتخبره زوجته ولا هو ولا هى يدريان من أين جاء ومن أرسله .. والذى ارسله احدهم الذى يفترش الارض بجانبه كل يوم 

يا سيسى انت والهبل اللى معاك مش عارف انك بتنفعهم بنفس الحاجة اللى أردت بيها تضرهم .. ساجن أطهر شباب فى البلد وأنضف نفوس .. هيخرجولك إن شاء الله بإيمان أقوى وبثبات أكتر .. هيخرجوا قريب ويخرجوا معاهم مصر كلها من السجن الكبير اللى هيا فيه .. وهنشوفك مذلول بإذن الله قبل ما تموت .. وما كان ربك نسيّا !

الجمعة، أكتوبر 11، 2013

روح الله فينا


طلبت ذات مرة من مجموعة ما كتابة مقال في موضوع معين , و تعلل البعض بأنه لا يمتلك موهبة الكتابة ... قلت في نفسي هذه مجرد حجة واهية , كنا في إمتحان اللغة العربية يكتب جميعنا موضوع التعبير و كان لا يمثل أي مشكلة , كما أن اللغة تتكون من 28 حرف و الكلمات محدودة مهما كثرت ... و تحت ضغط و بدافع العشم  كتب الجميع .. و فوجئت بالنتيجة , الأمر يتعدي فعلًا مجرد حروف و كلمات مرصوصة بجوار بعضها البعض كما كنت أتصور !!!
 و لمعرفتي و إقترابي من شخصيات من كتبوا كتب و لا تظنوا أني أبالغ , إستطعت أن أتلمس جزء من روح من أعرفهم محمولة علي الأوراق ...

الأمر إذن ليس مجرد كلمات صمات تُرص لتُنتج معني بشكل آلي , حتي و إن كانت الحروف محدودة و الكلمات محدودة و لكن الروح التي تحرك الكلمات و تستطيع أن تلمسها لا حد ولا حدود لها أبدًا ... ماذا يمكن أن نسمي هذا الأمر إذن ؟؟

 إنها الموهبة ...الموهبة هو شئ يتميز به فرد ما عن الآخرين ببراعة يوجده من اللا شئ و يتفوق علي الآخرين في تلك النقطة تحديدًا, قد تكون تلك الموهبة ظاهرة , كخفة دم أو ذكاء إجتماعي , سرعة بديهة أو الشخصيات القوية التي يلجأ اليها الجميع , الشخصيات المتفهمة أو الحنونة أو الصبورة الدؤوبة ... قد تكون قدرة على تأليف ألحان موسيقية من العدم , يدندن اللحن مع نفسه ليجعله مسموعًا , فهو سمعه دون أن يكون موجودًا  كما صاغ الكاتب المعاني التي كانت في ذهنه فقط ... قد تكون براعة معينة في تصور موديلات أزياء ما , أو مزج ألوان مع بعضها البعض لتعطي درجات جديدة متناغمه من الألوان , قد تكون قدرة علي تخيل أحداث و شخصيات و صور تنتج لنا قصة ذات قيمة معينه , و قد يكون في صياغة تصميمات معمارية جديدة و عمل مدارس جديدة و متفردة لتلبي إحتياج ما , قد تكون حتي براعة في التعامل مع الأرقام أو حتي إيجاد نظريات فيزيائية جديدة عن الحركة و السرعة و ما شابه أو حتي إختراع جديد معين ليتغلب علي مشكلة معينة ....

نعم أعلم أن هناك دراسات تقام ليتعلم المرء صفة معينه , و هذا التعليم هو عبارة عن تراكم من معرفة البشر في مجال معين يورثة جيل لآخر يضيف عليه و يهذب الموجود , و بالرغم من تلك العلوم الموجودة و لكن تظل الموهبة المتفردة ضرورية لإيجاد حالة إستثنائيه , نصقلها بالدراسة و لكن لا غني عن الموهبة الاساسية ...
و الإبداع في رايي المتواضع لا يقتصر على مجال الفنون فقط و لكن لكل مجال فنه أو لغته المبدعة المتفردة الخاصة به و التي يفهمها أهل هذا المجال .

 يخيل لي أن تلك الموهبة جائت من العدم ... لأن هذا الشخص الذي برع في مجاله كان صاحب سبق معين , من أين جائت تلك الملكة ؟؟ تفكرت طويلًا في هذا الأمر ... وجدت أن معين العبقرية الأساسي هو القبس الإلهي الأول الذي منه خُلقنا , فالإنسان - كما نؤمن نحن المسلمون - خلقه الله بأن نفخ فيه من روحه و كان هذا تكريم ما بعده تكريم له . نحن فينا جزء إلهي , أعتقد أنه المسؤول عن الإيجاد من العدم الظاهري ( هو ليس عدم مطلق فهو معروف عند الله و لكنه عدم لنا نحن يمتن الله أن يظهره أول مرة علي من يشاء من عباده ) فهو المسؤول عن كل هذا الإبداع الذي يعج به عالمنا في شتى مجالات الحياة . 


وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ  (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ (29)
سورة الحجر 



إني لأزعم أني أري جانب بسيط من جمال و عظمة البديع الخالق في جمال ما صنع خلقه . 

إذن , لكل إنسان لديه شق رباني مقتبس من الروح التي نفخت فيه و شق أرضي من الطين الذي خلقنا منه , و الخلل دائمًا يقع عندما تغفل شق أو نتجاهل شق كأنه غير موجود .

هذه الفكرة لها الجانب التطبيقي الجميل لها و هي المخترعات و الإبداع البشري , و لكن لها التطبيق السلبي ايضًا و هىة تفسر لي بعض من سلوكيات البشر التي غمضت علي لفترة ما من حياتي . يبدأ الأمر في أن يتخذ شكل أن الإنسان شب عن الطوق و لم يعد يحتاج مرجعية خارجه ( فهو و نفسه هديت أم ضلت هو المرجعية و المحتكم ) فلابد أن يرضي عن كل ما يفعله حتي يكون إنسان سوى و إن أجبر نفسه علي فعل شئ (صواب ) و لكنه دون إرادته فهو منافق !!!


هذه صورة من صور إنكار الضعف الإنساني الذي قد يعتري البعض فيظن أن الكمال لرأيه هو و الصواب هو تنفيذ هذا الراي دون وجود مرجعية متجاوزة له .... صورة أخري أكثر تطورًا لهذه الصورة السلبية تظهر في كل المتجبرين أو الحائزين علي سلطة أو قوة معينة فوق عامة البشر هم مدعي إلوهية بصورة أو بأخرى , عذرًا إن كان هذا المعني صادم ... لماذا أقول ذلك ؟؟
لأن هذا الأمر شهوة من شهوات النفس التي لها أصل في التكوين البشري و إن لم تجحم لخربت الدنيا , لأننا نميل بالروح التي نفخت فينا من الله ,  أن نظن أننا آلهة ايضًا فعند حوز السلطة نظن أننا تغلبنا علي ضعفنا البشري و الإنساني ( المتمثل في الجسد الطيني و الجسم البشري الضعيف) و نحاول الإنطلاق , فكان إدعاء فرعون و النمرود بن كنعان أنهم آلهة من دون الله .
و حتي في عصرنا الحديث من يحوزون السلطة يتصرفون بتلك الطريقة - قد يكونوا أكثر دهاءً من فراعين الأمس في الا يأمروا الناس بعبادتهم بشكل مباشر و صريح فهم ادهي من أن يثيروا العامة عليهم بمثل تلك الإدعائات الجوفاء و لكن كل الافعال تشير أنهم لا يخشون أي قدرة فوقية و أنهم يظنون أنهم حازوا القوة النهائية و أنهم يتحكمون في مصائر البلاد و العباد ( و لنا في روايات معذبي أمن الدولة تجسيد لهذا الغرور بالسلطة الذي يودي بالعقل و يجعله يظن أنه إله و العياذ بالله ) و هذا هو في رايي السقوط المروع .


 التوازن الحقيقي الذي يمكن أن يحوزه المرء هو أن يدرك ضعفه و مواطنه و يتعامل معها و يدرك مكامن قوته و يتعامل معها ايضًا  إنكار اي من الجانبين قد يوقعنا إما في جمود أزلي أو في فوضي حقيقية . 
الإعتراف بأن المرء يملك جسدًا ضعيفًا قد يكون له إحتياجات معينه إنسانية لابد أن يلبيها له بحدود معينه دون إفراط أو تفريط, يعطيه سلامًا نفسيًا فليس الجسد شئ مهمل مستقذر ولا هو محط و منتهي الإهتمام . و تذكرنا أننا موجودين في هذا الحيز الضيق يحجمنا دائمًا و يذكرنا بنقصنا البشري , فنحن مهما بلغنا لن يمكننا أن نتعد تلك الحيز المحدودين به , و الجميل أنه كلما إعترفنا بهذا الامر توازننا .

هذا هو التطبيق العملي لمقولة من تواضع لله رفعه . فالله هو الخالق و هو الخافض و هو الرافع و علي قدر ادائنا في الدنيا نعد المتاع لسفرنا القادم . نسال الله السلامة . 

الأحد، سبتمبر 29، 2013

تحدي الوحي , و تجريد الأفكار .

لا أذكر المناسبة بدقة أو حتى الجملة التي قلتها لوالدي ..كانت تقريبًا أمنية تمنيتها أن أعيش في عصر  النبي و البعثة . قال لي و هو ما اذكره جيدًا هو أن المرء قد لا يضمن في أي موضع قد يوجد حتي و إن كنا نراه في يومنا هذا عصر جميل , أليس من الممكن أن تكوني مكان أبا لهب الذي كان يحارب الرسول أو زوجته حمالة الحطب التي كانت تضع له الشوك أو اي من المنافقين أو أي شخص ليس بالضرورة يهتدي للإسلام ؟؟ ليست العبرة بالعصر إذن و لكن العبرة بمكاننا فيه . أعجبتني تلك الحجة كثيرًا , و لكن كلما كبرت كلما فهمت أن لها أبعاد أعمق مما يبدو ظاهريًا .  

                                         *****************************


التجربة الإنسانية مختلفة تمامًا عن التجربة الحضارية . التجربة الإنسانية ذاتية لابد أن يخوضها المرء بنفسه , تبدأ كقصة جديدة تمامًا مع كل إنسان يولد و تنتهي معه بموته . قد نتشابه ظاهريًا في الإحتياجات , جميعنا يحتاج لمشاعر الأبوة و الأمومة ... نحتاج للأصدقاء و الصحبة و العائلة , نحلم بالحب من النوع الآخر و الزواج منه و تكوين أسرة , و أن نشعر بمشاعر جديدة تجاه الأبناء ... نحتاج لنشعر بقيمتنا و أن ننجح في عمل نحبه و نجيده و يجعل لنا قيمة إجتماعيًا , نسعي للغاية الكبرى و السؤال المؤرق , لماذا نحن و كيف وجدنا و كيف كنا من قبل و ما هو مصيرنا النهائي ؟؟؟  لذا الحديث عن النفس و الإنسانيات لا يمل منه ....

عكس التجربة الحضارية و التي هي تراكم كمي مادي لنشاط و فعل الإنسان خارجيًا  . يتطور هذا النشاط بتطور الإنسان ( إستثناء انه لا يتطور في منطقتنا العربية و لكنه يتطور في كل العالم من حولنا ) ككل المخترعات الحديثة حولنا . الحديث في تلك الأشياء يتقادم , لانه تظهر علوم جديدة دائمًا تحل محل القديم أينعم هناك اساسيات لا تتغير نبني عليها دائمًا و لكن هناك تطور في المنتج النهائي يتغير دائمًا .






 و بناء علي التصنيف السابق , فتجربة الإيمان ( الأسئلة الكلية و النهائية ) هى تجربة إنسانية ذاتية بإمتياز . لا تتقادم بتقادم الزمن . سيظل هذا السؤال يواجه كل إنسان يولد من جديد علي تلك الارض و يواجه هذه الحياة . هذا كلام معروف و قديم ....


ما المشكلة إذن ؟؟
لا توجد مشكلة , و لكني مع تأملي وجدت اننا نستغرق في الماضي أكثر مما ينبغي ولا نضعه في موضعه الصحيح حتى نرغب في أن نحيا به , صحيح أن الرسول عليه الصلاة و السلام  قال خير القرون قرني ثم الذي يليه ثم الذي يليه , و سكن , اي أن أول 300 عام هم الأفضل ...
و لكني أيضًا مؤمنة بعدل الله حتي في إختلاف القرون و الأزمنة , فقد قال الرسول أيضًا الخير في و في أمتي إلي يوم الدين , فلن ينعدم الخير الجزئي إذن حتي و إن قل الخير الكلي ....
هناك دائمًا أمل في أن نكون و نلحق بهذا الخير المذكور إلى يوم الدين .


 من يرغب في أن يعيش في زمن النبوة غالبًا ما يرى النتيجة النهائية ( أو التي يتخيلها نهائية لإنتصار الخير آن ذاك )و غالبًا ما يغفل عن أمرين :


1 - أن تلك النتيجة لم يكن ليصوا إليها إلا بشق الأنفس ... لنتظور تصور خرافي أننا جمدنا الزمن في أول 9 أعوام من البعثة حيث مقاطعة قريش للمسلمين ,  و سالنا كل فرد فيها عن رأيه فيها يحدث . كان المسلمون يسامون سوء العذاب و لا ينبئ باي خير  لم يكن لهم أي بارقة أمل منطقية من أي نوع . هل كانوا يعلمون الغيب ليثبتوا كل هذا الثبات و يتأتي لهن النصر ؟؟؟ نحن نرى الأمر بأثر رجعي و لكن عند معايشة المعاناه و الحدث نفسه يكون الأمر جد مختلف .

2 - أنه لا يوجد إنتصار درامي في الدنيا , تصدح الموسيقي المؤثرة و تغلق الستارة و تنزل كلمة النهاية و يذهب الجميع للمنزل فرحين مسرورين ... ليس الامر بهذه البساطة.. مادامت الحياة موجودة سيكون هناك صراع أبدي . يمكنه أن يراجع السيرة ... منى استراح المسلمون ؟؟ هل بعد فتح مكة ؟ أم بعد وفاة النبي ؟ أم بعد تولي ابو بكر الخلاقة ؟؟ أم بعد حروب الردة ؟ أم بعد تولي عمر ؟؟ إلخ , يمكننا ان نستمر في التساؤل حتي يومنا هذا و سنصل إلي نتيجة أنه لا توجه نهاية حقيقية للصراع . فقط كل يدلي بدلوه الفترة التي قدر له فيها ان يشهد هذه الملحمة البشرية القديمة . و سنرى النهاية الحقيقية في الآخرة إن شاء الله .   

                                     **********************************

  عندما نزل الوحي علي النبي , نزل عليه و لم يكن قد مارس تلك التعاليم من قبل , و لكن يكن لديه الوسيلة للتأكد هل هذا كلام صحيح و فيه صلاح للدنيا و الآخرة أم لا  , خاصة الوضع الإقتصادي و السياسي لقريش مستقرًا نسبيًا فلما يترك ما هو مستقر من أجل ما هو مجهول , و ليس مجهولًا فقط و لكن سيجر عليه ويلات من كل نوع لا تحصى ؟؟



 أعتقد أن التحدي الأكبر و الأعظم في أي وحي و أي رسالة إلهية هو أنه ينتقل بك من الماديات إلي مصاف الأفكار المجردة . الأفكار التي لم تطبق بعد . أنت تسير وراء الفكرة بشكلها المجرد , تريد أن تطبقها , قد تتداخل أهواء ’ قد يجور عليها ضعف بشري , قد يعيبها سوء فهم من البعض , فهذه هي المعركة الذاتية التي ينبغي أن يخوضها كل إنسان .  و لكن تظل الفكرة المجردة هي المرجعية الحقيقية و الوحيدة لنا . و هي التي ينبغي أن نسعى لتطبيها . 




ألا يذكركم هذا الكلام بمأساتنا المعاصرة ؟؟

نعم . فنحن و ياللمفارقة بعد كل تلك السنوات عدنا لما يشبه نقطة الصفر . إعترانا جهل و تخلف و عصبية و عدم فهم كبير , أدت الممارسات المشوهة لجماعة الإخوان أو السلفيين السياسية في تنفير فريق كبير ممن لم ينشأوا علي تعاليم الإسلام الصحيحة و فهم سليم له . و اصبحنا نسمع عن زيادة معدل الإلحاد . هل مقبول أن نعزو إنكار فكرة كفرة الإسلام لتطبيق خاطئ لمثل تلك الجماعات ؟؟؟

للأسف الشديد من يفعل ذلك يخلط تجربة ذاتية لابد أن يمر بها هو بفسه ليكتشفها  بممارسة الآخرين الخطأ لها . الامر ليس تراكميًا فهي ليست تجربة حضارية . و ليس لأن أحدهم قدم صورة خاطئة عن الإسلام أن نكفر بالإسلام ككل . طبعًا كلامي غير موجه لمن لا يعترف بالتجربة الإيمانية عمومًا فهذا مستوى آخر ليس مجال حديثنا ها هنا . يذكرني تشابة الحكم ( و طبعًا ليس المثل نفسه ) بمن يكره الزواج و يكفر بالحب فقط لأن له صديق غبي لم يوفق فيه و لم يفهمه قبل ان يخوض تلك التجربة فقرر صديقه بالنيابة عنه ان يعمم ان الزواج تجربة فاشلة من بابها !!  التحدي الذي واجهه المسلمون الأوائل نواجهه نحن و لكن بصورة أخري , كيف يمكن أن نجرد أفكار الوحي و لا نحكم عليها من نماذج سابقة ؟؟

 هم لم يكن  عندهم مثال سابق و نحن لدينا مثال تم تشويهه تمامًا فلا يعنينا من شوهوه و لكن يعينا المعين الأساسي من الأفكار .رحلة الإيمان و البحث الحقيقي عنه من أصعب ما يمكن أن يواجه المرء , و لابد ان يستعين عليها بالدعاء الشديد حتي يهديه الله ... و ليست بالضرورة أن تكون في أيام النبي كي تشعر بها . التحديات موجودة هاهنا و لديها من الصعوبة و التشوية ما يكفيها  .... فهل قبلنا التحدي و كنا أهلًا له  ؟؟



 اللهم أرنا الحق حقًا و ارزقنا التباعه و ارنا الباطل باطلًا و ارزقنا إجتنابه .  

السبت، سبتمبر 28، 2013

عن الإختلاف ... و إشكالية "خالف تُعرف "


عندما شاهدت فيديو * الطالبة التي رفعت شعار رابعة و كسرت الشكل العام للنفاق الإجتماعي الفج , رد فعل مبالغ فيه و سخيف للغاية ان يكون كل هذا التشنج و العصبية فقط لإشارة بسيطة . أعتبر تلك الفتاة بطلة حقيقية من الناحية النفسية , فهي لم تتماهي معهم أو حتي تكتفي بالصمت و لكنها رفضت أن تكون مجرد فرد في القطيع الذي مثلته الفتيات اللآتي رددن عليها بعلامات النصر و السيسي , و اصرت ان تقول ما تريد و تراه صوابًا . 



تصرف تلك الفتاة دفعني لسؤال آخر , هل كل الخروج عن النص المرسوم فعل محمود ؟؟ يعني هل دائمًا القطيع هو الغبي و الفرد الشارد هو المتميز المتفوق ؟؟ هل التمرد في حد ذاته كفعل هو الغاية ؟؟


أجد تلك الفكرة في إزدياد مستمر تلك الأيام ... لابد من التمرد دائمًا و نبذ كل ما هو قديم . فلها صور كثيرة جدًا حولي ...

 يتم التندر علي افراد جماعة الإخوان لانهم لم يتمردوا و لايزالوا في قطيع , يتم السب في النظام التعليمي كله علي بعضه فقط هكذا و إن سألت ما هو وجه الخلل بشكل من التفصيل كي تفهم اكثر يُقال لك كلمة غاية في الإختصار و حتي و ان كانت حق فهي اريد بها باطل ( اصلنا بنحفظ و ولا نفهم ) ... يتم السخرية من غالبية الوصفات التقليدية الشعبية في الطب التقليدي بحجة البدع و التخلف ... و يتم قياس العروسة الجيدة على أنها ( مش عايزة نيش ولا أي متطلبات البته لا مهر ولا شقة ولا أي شئ لأن كل تلك الاشياء بدع قديمة لابد من الثورة عليها )  ... هناك من يصنع من الدولة الحديثة صنمًا لا يكف عن رجمه إن حدثت له اي مشكلة ايا كانت كأنها هي الشيطان الأعظم ...  حتي بعض الفتيات يفكرن في خلع الحجاب لانهم لا يردن أن يكون تحت رحمة المجتمع ولا يتأثرن به وليسوا أغبياء كالغالبية العظمي التي تفعل الاشياء فقط لانها فرد من القطيع المجتمعي .




 أتفهم تمامًا كل تلك الدعاوي السابقة , فعندما نكون في مجتمع متخلف بليد غير قادر علي الإبداع ولا توليد الأفكار , يكون التفكير الثوري من الشباب هو عبارة عن رد فعل بنفس مقدار التخلف الواقع عليهم و لكن في الإتجاه المضاد  .  في تلك الأمثلة السابقة قد أتفق مع بعضها و أختلف مع بعضها الآخر ...  لماذا ؟؟ 


لأن المفتاح للأشياء هو : الفهم ... و ليس التمرد في حد ذاته كغاية . فالاختلاف للإختلاف يجعل كل المختلفين دون فهم لا يختلفون كثيرًا عن من يظنوهم قطيع تركوه . دون فهم سيتحولون هم لقطيع آخر و لكن في الجهة المضادة لا معني له إلا انه مقلوب الآول . فهم الغايات الكلية من أي شئ و أي عمل هو ما يجعل المرء يتصرف تصرف له معني . سواء كان داخل القطيع أو خارج عنه .


لنفد مثلًا الأمثلة التي ذكرتها فوق .


-  نظرًا لأننا لم نترب أساسًا علي ثقافة العمل الجماعي , و عندنا خلل في منظومة القوانين أي أنها لا تسن للتسهيل و لكن للتضييق علي خلق الله فكان التحايل عليها من اساسيات الحياة في مصر .  و هذا سبب اساسي من ضمن اسباب فشلنا ان نكون مجتمع حيوي ,  ... فبشكل عام نحن علي مستوي المجتمع لسنا نفهم طبيعة تكوين الإخوان من الناحية الإجتماعية لاننا لم نمر بتلك التجربة ولا يوجد شئ شبيه وعينا الجمعي . فلا نفهم كيف هم مترابطين و كيف ان هناك رابطة قوية جدًا علي مستوي الافراد . هناك خلل رهيب في اشياء كثيرة عند الإخوان لا يوجد عاقل ينكر ذلك و لكن عدم الفهم يؤدي للحكم بشكل سطحي انه من يرفض ان يتركهم هو  خروف (و عذرًا في اللفظ ) هناك اعتبارات اخرى تحكم الامر و ليس الامر بهذه السطحية . 


- بالنسبة للنظام التعليمي الذي يتم سبه دائمًا . حسنًا أعلم ان التعليم الأساسي حاصل علي المركز الأخير 148 علي مستوي التعليمات الاساسية في العالم . و لكن ما هي المشكلة حقًا ؟؟ هل هي الحفظ ؟؟  . إنظر الي المناهج لتعلم ان المناهج اصبحت غاية في السطحية . اصبح الطلاب لا يحفظون جدول الضرب و يستعيضون عن ذلك بالآله الحاسبة في الصف الرابع الإبتدائي (إذن هم فعلًا يقللون الكم المعطي للطفل فعلا و يقللون الحفظ) و لكن هل حل هذا المشكلة ؟؟ بالطبع لا . لماذا ؟؟ لانه لا يوجد فهم ولا توجد رؤية كليه للأمر . لا توجد خطة عندما يترك الطالب المرحلة الاساسية يمكنه ان يكون مواطن صالح بحق . ما هي الاشياء التي ينبغي ان نغرسها في طالب المرحلة الابتدائية / الإعدادية / الثانوية ؟ هل يمكننا اختصار الوقت للازم لغرس القيم الاساسية ؟؟ لا اعتقد ان اي ممن يعملون في العملية التعليمية ( المدرسين لديهم قدرة علي الرؤية الكلية ناهيك عن تدريسها للطلبة لتكون اسلوب تفكير علمي لهم . الامر لم يكن ابدًا كم حفظ كبير او صغير و لكن اجرائي بحت . ليس الحفظ ابدًا هو المشكلة بل هو ضروري فعلا لبعض المواد  . فلابد ان يكون الفهم جنبًا لجنب مع الحفظ ولا يكتفي بأحدهم دون الآخر .




- إن كانت لدينا قدرة حقيقية علي البحث العلمي , يمكننا ان نخضع كل الوصفات في الطب التقليدي للتجربة . فلا نرفض فقط للرفض لانه لم يوجد في الكتب الأجنبية التي درست ,  فلا يمكن الحكم بخزعبلية وصفة خاصة ان كانت مجربة بالفعل و تؤتي نتائج ايجابية .المفترض ان اجري ابحاث عن لماذا تنجح تلك الوصفة او ما هية الاسس العلمية التي تجري عليها , و ان كان هناك شئ لا علاقة له بالطب او البحث فيمكننا اثبات فشله بمنتهي السهولة .   للاسف العقلية العلمية الحقيقية التي تدربت علي الفهم العميق ليست متوافرة في مصر ( أن اراقب ظاهرة و ابحث عن اسباب و اضع عدة سيناريوهات  اجرب طرق الحل و اضع تقييم في النهاية ) فحتى الابحاث العلمية الموجودة هي ابحاث مستوردة أو اجراها اجانب هنا .   




- جائني سؤال علي الآسك في مرة ان هل عندي نيش , و اجبت بلا , و لكن الامر لا يقاس هكذا , فهناك من يحتاج هذا النيش , و هناك من لا تحتاجه , نأتي مرة أخري للفهم ... التيسير في متطلبات الزواج قد يتم استخدامه في بعض الاوقات لتبرير كسل العريس أو حتي بخله في ان يأتي بالاساسيات . و هناك من تري أن الشخص المتقدم لها فعلا رجل بمعني الكلمة و تقرر التنازل الطوعي عن حقها في سبيل مساعدته . و هناك فعلًا مغالاة في هذا الامر من أهل العروس ( و لو اني بعدما عرفت عادات الريف و الصعيد في الزواج و صرامة تقاليدهم مقارنة بسيولة المدن و ان كل اسره تفعل ما تريد و غير متقيدة بعرف اجتماعي , وجدت ان فتيات المدن أقل مهور و تكاليف :D ) فلا يوجد مقياس ثابت و لكن لكل حالة و كل حادث و له حديث . الاساس هو فهم مسؤولية هذا الامر . 



-  بعض اطروحات منتقدي الدولة الحديثة تدعوني للسخرية و التعجب . هل حقًا انتم مدركين لما تنتقدونه ؟؟ انتم تنتقدون بديهيات أي عمل بشري منظم و تعطون للمجتمع قدرة فوق قدرته . لا يمكن ترك الامر للسوق وحده . و هناك اشكاليات كثيرة لا مجال لذكرها و لكن مفداها ان تلك الأطروحات مبنية علي سياسة رد الفعل لما هو حالي و ليست الفهم العميق .  




- أما عن مشكلة الحجاب و خلعه , فللاسف هذا امر غاية في التركيب , و لكن مفداه أننا كمجتمع لم نترب تربية دينية و إيمانية سليمة و ظللنا نبعد و نبعد عن المعين الحق , و جائت كل المحاولات لرتق الصدع تقع في موقف ( رد الفعل الرافض لكل شئ و الجاعل لدور النساء فقط كأم و زوجة لا شئ غير ذلك و تناسي دورها الإنساني الإجتماعي ) فأدي لذلك لنموذج منفر للغاية جعل فتيات كثيرات يرفضن الشكل التقليدي للإسلام ( بما في ذلك الحجاب ) و تعددت ردود الافعال بين الالحاد الصريح و بين الوقوف مسافات من تلك الفلسفة . ما أدري لذلك هو الجهل و عدم الفهم و عدم وجود قدوة ( و إن وجدت يتم محاربتها بضراوة و عدم الإحتفاء بها ) .



بعد تفنيد كل الأمثلة السابقة الآتية من فلسفة " خالف تعرف " علمنا أن المشكلة ليست في المخالفة و التمرد للتمرد . ليس كل تمرد محمود و ليس كل سير مع الغالب منبوذ , و لكن المشكلة الأساسية هل يوجد فهم لما نفعل و إدراك للصورة الكلية و التبعات و بديهيات تفكير منطقي أم لا . وفقنا الله و إياكم لما فيه الخير .  


----------------------

* فيديو الطالبة http://www.youtube.com/watch?v=hPoDNUGS-UQ

الاثنين، سبتمبر 09، 2013

مالكولم إكس


في ظل تلك الظروف العبثية التي تمر بها البلاد , أردت ان افصل لانه فعلا الامر صعب لنشاهد فيلم , ممم ماذا تفضلي ؟؟ ماذا عندك ؟؟ ... مالكولم إكس ؟؟ نعم . ما طوله ؟  ثلاث ساعات !! أم أعد استطيع صبرًا لمشاهدة شئ , لا أدري لما و لكني سمعت عن مالكولم أكس و أعرف عنه بعض المعلومات . قلت فرصة اقترب من تلك الشخصية أكثر .  








ما هذة البداية ؟؟ هل هذا هو ما سمعنا عنه الحكايات ؟؟ شاب بالتعبير الدارج "مُبيأ " لا يعرف كيف يرتدي ملابس متناسقة , يزني و يدمن المخدرات و يتعرف علي عصابة و ينشق عليها و يدخل السجن  !!!  كيف يمكن أن يكون هذا الشخص من يحكون عنه ؟؟ ثم قابل في السجن من قلب حياته رأسًا علي عقب و جعله مواطن صالح . لا أدري لماذا لم أعد اثق في أن يمكن لشخص أن يتحول تحولًا دراميًا و يتبدل حالة 180 درجة هكذا . 


 عند تركيزي أكثر علي شخصية مالكولم , وجدت أن الشخصية بشكل مجرد لم تختلف , الفارق في الإطار الذي وَضعت نفسها فيه . عوامل نشأتها من كونه إبن لقس شجاع لا يستسلم مثلما يفعل من بقي من معشر السود جعلته متمردًا , و تم قتل ابوه في النهاية علي يد بعض العنصريين البيض ...  و بالطبع مسؤولية تربية اربع ذكور في مجتمع قاسي جعلت الأم تصاب بالجنون و شق كل طفل طريقه , و غير واضح كيف كانت علاقة مالكولم بأشقاؤه في الفيلم بعد ذلك . كون والدته اساسا بيضاء و تزوجت والده لظروف نفسية معينه مرت هي بها أظن أنها اثرت عليه بشكل أو بآخر , و هي من أورثته شعره الأحمر الغير معتاد لسود البشرة حتي أن إسمه كان ريد في البداية ...



هو إنسان متمرد و ذكي لأقصي درجة , يفهم إمكانياته جيدًا و يجيد توظيفها .... و من ضمن ذكاؤه مرونته و عدم تصلب الراي و تلك الميزة الآخيرة هي ما جعلته يتطور بسلاسة و أحسب انها ما صنعته حقًا .    
 ظهر تمرده في : رغبته أن يكون محامي ؛ فهو منذ سنه الصغير أدرك ملكته في الخطابة و حضور البديهة في الكلام و ظهر في إذلال الفتاة البيضاء التي كان يرافقها و في عمله كطاهي و في السجن أخيرًا عندما رفض حفظ الرقم الذي يعبر عن هويته و تم حبسه حبس إنفرادي لكسر إرادته للتأديب . 



كما أنه اجاد توظيف ذكاؤه في السخرية من زعيم العصابة و إنشقاقه عليه , و في رئاسة العصابة الصغيرة التي كونها لسرقة المنازل و حركة قُرعة المسدس .



 كان يمكن أن يكون مثل آلاف المجرمين الذي تعج بهم السجون يوميًا في كل البلاد . و لكنه صادف في سجنه من دله علي جماعة تصبغ الدي الإسلامي في قوالب عنصرية بفهم مشوه ( يعني حتى المنكرات كانت تصاغ في صورة انها الأشياء التي يسيطر بها الرجل الابيض علينا / الشيطان علينا ) كانت هذه هي النقلة الأولي في حياته من ترك لحياة الضياع و بدأ بأن يكون إنسان محترم فعلًا و بدأ القراءة في القاموس في السجن .


خرج من السجن ووجد أن الحياة التي تؤمنها له الهيئة التي انضم لها و التي تتبني فكرًا مشوهًا عن الإسلام تشبع طاقة تمرده في الحنق علي كونه اسودًا و نظرًا لانه خطيب مفوه و ذكي استطاع ان يصل و يحقق شهرة ... كانت علاقة بإليجا محمد رغم فساد الأخير ضرورية , لان المرء دائمًا في حاجة لمن يضع له اساسه الفكري  او يعطيه أدوات التفكير , و أعتقد ان هذا ما فعلته تلك الفترة به ...

كانت ضرورية علي الرغم من درامية انفصاله عنهم . و كانت زوجته هي ما نبته لفساد رؤساء تلك المنظمة و كانت تلك هي نقطة التحول الثانية في حياته ... ليس من السهل أبدًا ان ينفصل المرء عن اباؤه الروحيين الذي صنعوه فكريًا حرفيًا و كان هذا موقف صعب للغاية بينه و بين زوجته نافذة البصيرة ... و لكنه لنفسه الحره لم يعمه حبه عن أن يتبين الحق و إتبعه رغم صعوبته و أنفصل عنهم .


 أما عن الموقف الثالث و التي يتجلي فيه مرونته في التفكير , هو أنه تخلي عن القالب العنصري الإسلامي بعد رحلة الحج التي قام بها لمكة . و استوعب ان الإسلام دعوة عالمية فعلا تتعالي علي تلك الأيديولوجيات , ليس من السهل علي أنسان نشأ في مجتمع يضطهد السود و اتخذ الاسلام كوسيلة للتغلب علي هذا الإضطهاد أن يترك تلك الفكرة و يعتنق الإسلام الحقيقي .


 لولا تلك العقلية المرنة لما استطاع الوعي بمكانه الحالي و الإنتقال لذكان افضل عندما يرى ذلك و هذا نجح في تحقيقه في 3 مواطن : ترك الإجرام و الإتجاه ليصبح مواطن صالح , ترك المنظمة التي بنته و نشأ فيها بعدما تبين له فسادها , ترك النظرة العنصرية للإسلام و اتجه للإسلام الحقيقي الصواب



.==========================================================

من اللقطات التي أعجبتني للغاية جزئية استعراض حياة المجرمين الذين تركهم قبل عشر سنوات من دخوله للسجن و كيف انه دمرت حياتهم تمامًا . قد تكون الصياعة و البلطجة جذابه و خادعة لانها تعطي شعور زائف بالقوة و لكنها في النهاية لا تؤدي لشئ حقيقي بالإنسان .


من النقاط الجميلة التي تستحق الإشادة , هي عند التعرض لقصة زواجه كان الأمر معروض غاية في الرقي , لم يجعلوه يسف مثلًا أو يعود لأيام الشقاوة  و تم التناول الحقير للحب علي انه مرادف للزنى , لكن كان إعجاب  "طبيعي , و حقيقي شعرت بصدقه للغاية و توج الأمر ببساطة بالزواج . لاني اشمئز للغاية من اطفاء لمحة "عصرية " علي قصص الحب العفيفة في الروايات التاريخية ذات السمت الإسلامي كي تكون مثيرة و جذابة . ( فيلم فاتح التركي نموذجًا للإنسحاق القيمي )   

اللقطة الأخري , عندما كان يسير في طريق ملئ بالعاهرات و المنازل القذرة و الاطفال المشردة و كانت هناك خلفية لخطبة تقول ان الرجل الابيض يريدنا في هذا المستنقع الموحل حتي لا نكون علي قدر منافسته ابدًا . شعرت أن هذه هو حالنا مع الفارق طبعًا . المجتمع الغافل خائر العزم هو مجتمع العبيد المُساق .  من أكثر الجمل التي آلمتني و شعرت فيها بغصه و صدق و معاصرة للاسف الشديد : في مكالمته الأخيرة مع زوجته كان يقول لها أنه كان لدينا أجمل منظمة لتجميع الجهود و توجيد الصفوف و لكن للأسف تم تخريبيها بيد السود لا سواهم , ياللخسارة .  جدير بالذكر ان المنظمة التي انشق عنها هي من خططت لقتله و نجحت في ذلك  و ليس العنصريون البيض .  

(19 مايو 1925 - 21 فبراير 1965) أي عاش تقريبًا 40 عامًا 
=========================================================== 
قصة هذا الشخص ملهمة للغاية و دفعتني للحصول علي سيرته الذاتيه و قرائتها للإقتراب و الوقوف علي شخصيته و كيف كان يفكر و يتصرف و ما هي أهم اقواله و كيف كانت الظروف حوله . رحمه الله رحمة واسعة و اسكنه فسيح جناته .  

الثلاثاء، مايو 28، 2013

تجنيس ما لا جنس فيه , و تطبيع الجنس

منذ حوالي عام إستضافت قناة ما - شاهدت هذا الأمر بالصدفة - لقاء مع الكاتب البرازيلي باولو كويللو فكان الحديث عاديًا ثم جاء سؤال عن كيف يكتب القصة و كيف يستعد لها , فكانت إجابته انه يجامع ا لطبيعة ثم يحمل منها بذرة أفكاره و تنمو بداخل رأسه مع الوقت حتي تحين لحظة المخاض و تظهر القصة للنور . إستأت بشدة من هذا التعبير , رغم معرفتي بالديباجات ان الفن له الحق في استعمال كل شئ ,و لم أعرف أو أهتم بسبب إستيائي هذا و لم أعطي الأمر اهمية . فهو في النهاية كاتب أجنبي يمثل ثقافة مغايرة عن ثقافتنا , و رغم أن كتاباته في رواية مثل الكيميائي جيدة , إلا انه سبق و أن قلت اني أتعامل مع المنتجات الفكرية المستوردة بحرص - عكس المخترعات المادية الصماء - و لابد ان ننتبه من التضمينات القادمة معها جيدًا . 

منذ مدة قرأت مصادفة قصة قصيرة فكرتها عن تبادل الكتب بين شاب و فتاة و لكن الاسلوب شوه الفكرة تمامًا و جعل التبادل الفكري الراقي ينحط لممارسة جنسية عقلية !! انزعجت للغاية من هذا التعبير المبتذل خاصة ان طريقة التفكير تلك اصبحت عادية بيننا . و استدعيت لذهني ما قاله باولو كويللو و إنزعجت منه وجدت ان نفس اسلوب التفكير حيث إقحام الجنس في ما لا جنس فيه كأنه و اصبح موضة المثقفين و مدعي التحرر و الجراءة .  



لقد عرفت سبب نفوري من تشبيه باولو كويللو حين إذ ,فتشبيهه يجعل من الجنس هو المرجعية و مقياس الجمال. بمنتهى البساطة الجنس ليس هو المرجعية و ليس هو منتهي الجمال و المتعة لدي كي ننسب أليه كل ما نفعله !!! لقد سيطر هذا الامر علي جزء ليس بقليل من الثقافة الغربية عمومًا اليوم حتى أنهم ليتعجبون من مصافحة الأصدقاء العرب من الجنس الواحد بعضهم البعض لأن هذا الأمر لديه معني مشبوه لديهم . يأصبح في الخلفية أن أي صديق يكتب شعر في صديقه ( من نفس الجنس ) أو يعبر عن تقدير معين لا بد و أن يمارس معه الفحشاء !!! لم يعد هناك مكان للمشاعر البريئة فعلًا و أصبح الحرص يسيطر لانه تم غرس هذا الأمر قهرًا في الوجدان الجمعي , الطبيعة البشرية ترفضه بالتأكيد و لكن من قال ان الفطرة لا يتم مسخها ؟؟ 

سيقول المدافعون عن الغرب ليس الغرب كتلة واحدة , و لسنا أفضل منهم , بالتأكيد لا أعمم ولا أضفي الطهر علينا , و لكن لماذا نتقبل هذا الأمر و لا نحاول تحليل أسبابه لنواجهه ؟؟؟ الإعتراف بالمرض هو بداية العلاج .

هذا ما اسميه في تجنيس ما لا جنس فيه . 


أما الشق الآخر فهو تطبيع الجنس في حياتنا و إزالة خصوصيته , فهو فعل لا معني له في ثقافتنا إلا في منظومة الزواج و ما خرج عن ذلك نزل لمرتبة الزنا و هو من الكبائر .
 للاسف مؤخرًا وجدت أن هذا الاسلوب إنتشر كالنار في الهشيم , فإفيهات المدعو "باسم يوسف " تفيض منها التلميحات الجنسية و تقحمها في الأفيه اقحامًا سخيفًا , كي تطفي علي البرنامج جو جرئ و تحرري مفتعل , و لا ادري هل ينتبه الجمهور أو لا ينتبه للكلمة العابرة في وسط الكلام و لكنها تقول الكثير , و قد تفوت تلك الكلمة على الأجيال الأكبر سنًا من حسني النية , فللأسف أصبح السمت الطبيعي  هو تجنيس ما لا جنس فيه أو الظنون الجنسية التي تحتمل القولان و التأويل , و تكفي النظرة الخبيثة بعد الكلمة المقصودة كي تفي بالغرض كله .
مشكلة باسم في رايي أنه قد نجح بالفعل دون اللجوء لتلك الحيلة التي أعتبرها حيلة المفلسين في إستجلاب الضحك . أو تلميع اي شئ عمومًا , و هنا يتضح جليًا أهمية وجود مرجعية حاكمة لكل افعال الإنسان و ليست مجرد ( ضميره و عقله ) الخاص التي تتغير بتغير الظروف.
أمثلة باسم يستخدمون ذريعة خبيثة للغاية لتحصين أنفسهم تجاه منتقديهم , و هي انه يقول ان هذا البرنامج +18 فمن يتفرج هو من جنا علي نفسه !!! اصلا مصطلح +18 هذا دخيل علي ثقافتنا بإمتياز , فهل الخطأ بقدرة قادر يتحول لصواب بعد 18 عام ؟؟ ام ان الخطأ يظل خطأ سواء تحت او فوق 18 عام , متزوج ام غير متزوج . للأسف , غياب المرجعية يفعل اكثر من ذلك .  

كما أني وجدت إنعكاس هذا الأمر أيضُا في أي صفحة كوميديا علي الفيس بوك, هناك بعض الصفحات التي تحتص بوضع ترجمات مضحكة على الأفلام الأجنبية خارج سياقها الأصلي , و كثيرًا ما تطرح مسابقة لكتابة افضل تعليق , يهالني كم التعليقات من أفراد عاديين التي لها تلميحات قبيحة بدون اي مناسبة - كما ينظر البعض بأن بعض المواقف تستدعي البذاءة - فالدافع فقط هو الكوميديا !!!

هل لهذه الدرجة تحول الامر لثقافة قطاع من الشعب بعدما كان هذا الأمر قاصر علي ولاد الشوارع البيئة و ثقافة بعض من يزعمون التمرد و الليبرالية , أم ان المعظم يظن نفسه ليبرالي ولا يتقيد بالأخلاقيات البالية القديمة ؟؟  روايات علاء الاسواني من قبل كانت تقوم بترسيخ هذا المفهوم وسط النخبة التي تقرأ , و لكن الكتاب لا يدخل البيوت كما يدخلها برامج التليفزيون و تأثير البرامج الساخرة لا يضاهيها تأثير آخر . تقوم بنيته القصصية على البنية الجنسية , مع بعض الحبكة الدرامية بالطبع ... إن قيل  له قلل هذا المحتوى يقول أنه إبداع و الإبداع لا حد له و من يصيح بالإنضابط هم طيور الظلام المخلوقات الجامدة التى لا تفكر إلا بنصفها السفلي ولا تستوعب الفن الراقي  حسنًا .

إن كان الفن الراقي و إن كنت متمكن فعلًا من زمامه لماذا يتم مناقشة اي قضية دون إقحام الجنس فيها , هل هي انعكاسات تلك الفكرة في العقل الباطن و تخرج في طيات الكتابة و تحاط بالسور الحصين المضاد للإنتقاد ( فن و إبداع ) أم أنه من فراغ عقولكم ( لأن فعلا المشاكل التي نواجهها عديدة للغاية و شديدة التعقيد و و ليست تتمحور هذا الأمر فعلًا ) أم ماذا ؟؟
هل يغفل أي كتاب أو مبدع أن ريشة الفنان هي ما تحيك جزء من الواقع لانها تصور صورة معينة و ترسخها دون دراية من المشاهدين , فليس الجميع يمتلك عقلية نقدية و ليس الجميع لديه أساس سليم يمكنه من التفريق بين الحق و الباطل و بين الحلال و الحرام ....
 هل لم يمشي أحد هؤلاء الكتاب المحترمين الأفاضل ذوى الخيال المتقد و الموهبة الحقيقية في الطبيعة و شاهد الشروق او الغروب في لحظة تجلي بديعه ؟؟ هل لم يمر أحدهم علي مروج خضراء مزروعة بالنعناع مروية للتو ليشعر كم الإنتعاش الذي سيقابل روحه ؟؟
هل يفهم هؤلاء معني الصداقة الحق , و تهلل الأسارير بأن يري المرء من يحب ابتهاج روحي بحت ؟؟
هل لا يشاهد أي من  المشاهد التي تبعث فعلًا على راحة النفس كي يصفها بوصفها الحقيقي دون  تجنيسها ؟؟ 


التحليل النفسي الذي ذكره "فرويد " بعزو كل شئ للغرائز و الدوافع الجنسية" لم يُفهم علي سياقه الصحيح , فهو من قال أن الإنسان المتزن يكتفي من الجنس بعد الزواج لمدة خمس سنوات فقط  و يمضي بعد ذلك بفعل التعود و المودة * ( طبعًا لست اوافقه و لكنه رأي )

كما إن المصاعب النفسية التي خاضها شخص مثل "فيدتور فرانكل" مؤسس مدرسة الطب النفسي الثالثة في العلاج بالمعني ( أسس فرويد الاولي و أدلر الثانية ) في معسكر الإعتقال تغلب عليه بتخيل وجه زوجته محبوبته , و ذكر ان الجنس قد تلاشي تمامًا وسط الإنهاك الجسدي و ندرة الطعام الذي لاقوه في المعتقل**. 


بالطبع طبعًا لا أمانع من نقاش أي قضية كانت , و لكن ليكن الأمر في محله و بإسلوب راقي , لا أن يكون مقحم بفجاجة بدعوى الواقعية . ولا أريد القول أن لنا في قصة سيدنا يوسف في القرآن الكريم مثل أعلى .



من يضيق أفقه ليجعل هذة المتعة هي المبتدئ  و المنتهي و هي محل السخرية و مرجعيته في التشبيه و يكاد تفيض كل كلمة و كل تلميح منه بها هو المتحجر و هو الفاقد للإحساس بالجمال و الحب الحقيقي . المشكلة الأزلية التي لا ينتبه إليها دعاة التجزئة و عدم خلط الأوراق  هي أن القيم كل لا يتجزأ , فمجتمع تطربه النكات ذات تلميحات قبيحة ولا يستنكرها هو نفس المجتمع الذي تشكو نساؤه مر الشكوى من التحرش و هو من يتعامل مع اللائجات السوريات بمنطق أحط من الحيوان إستغلالًا للظروف إلا من رحم ربي , و هو نفسه من يهلل لصورة شاب و فتاة يتبادلان القبل في الطريق العام و يعتبره تتويج للحرية !!!



 منظومة القيم إما أن تُحاط بإطار واضح فيه الصواب و الخطأ و الحلال و الحرام أو ان نتركها لهوى كل فرد و لا جق لنا لمناقشة خيار أي انسان أيا كان .  طبعًأ أعترف أن تطبيق القوانين من قبل الدولة بشكل صارم على من ينتهك الحقوق أمر هام  الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. و لكن نحن نحيا في "شبه دولة " اليوم . فلا نطلب شئ يعتبر خيالي في ظروفنا الحالية .



 ===========================


* كتاب فرويد لإريك فروم Sigmund Ereud's Mission - an annlysis for his personality  - Erich fromm 



** كتاب الإنسان يبحث عن معنى , فيكتور فرانكل . Man's Search for Meaning -  Viktor Frankl