الجمعة، أكتوبر 09، 2009

قشطة 2 - قصة واقعية حدثت

هناك شئ عجديب للغاية لاحظتة مع محادثاتي مع قشطة ..... لا ادري لماذا اشعر انها تأتي الي الصيدلية في نفس الوقت من كل يوم حتي نفس الجلابية الزرقاء التي ترتديها ( احساس بان المشهد دائم التجدد لا ينتهي مهما مرت الايام )
نفس الهدوء النسبي و حتي نفس اضاءه شمس العاشرة صباحا , توضدت علاقتنا بشكل جميل و بهدوء , حتي انها اصبحت تأتي فقط دون ان اناديها لتصبح علي و تحضر لي الماء الساخن و ان لم يكن ورائها عمل اجلستها معي , لاقترب اكثر منها ... ما جعل تقاربني معها غير محفوف بالمخاطر النفسية لمثل تلك الفئة , انني شعرت انها نظيفة من اغلب الامراض الاجتماعية التي تجدها منتشرة في هذه الاوساط ( و في معظم الاوساط للامانة حتي و ان اختلفت الملابس او الاسلوب )
كانت في بداتية تعارفنا لم تكن تحكي كثيرا عن نفسها , و لم اراها قط في جلسات الممرضات ( و ما ادراك ما هي جلسة البنات كما تسميها هي كتسمية اكثر رقي و ادب ) و بالتبعية لم الاحظ عليها اسلوب انها تتحدث عن اي انسان قط , و هي ميزة رائعة جدا جعلت التعامل معها اريح لي كثيراً ... تقول هي بنفسها عن " قعدة البنات " انها كلها مشاكل و بلاوي و ابدان ببقطع ( كناية عامية عن النميمة ) و هي تقول لي ان هذا افضل كثيرا و ان هذا الامر بالذات تقول لي انه افادها كثيرا و جعل مفيش عداوة بينها و بين احد علي حد قولها ... هذا ما قصدته بعدم وجود امراض اجتماعية و هذا قليل من كثير ....بالنسبة لبقية الامراض , ففراغة العين هو داء منتشر للغاية و تجدة علي شكل كلمة ( كل سنة و انت طيب ) من اي بائع او كناس في الشارع بدون مناسبة . كما ان لقشطة فلسفة مختلفة لما يتعلق بالمال و الحاجات المادية بشكل عام ستظهر خلال الحكي
لم تكن ام قشطة تسرد حكايتها بشكل مرتب مسترسل ابدا
بل كان الامر اشبه بتجميع قطع مكعبات او صور بازل حتي تكتمل الحكاية و تستطيع الحصول علي شكل نهائي جميل , و ربما وقع مني جزء في المنتصف فاصبح اسئلها عن بعض تفاصيله لاحقاً
كما انه خلال الحكي الرئيسي الذي استخلصت منه قصة حياتها كانت عناك حكايات لا تقل عمق بالنسبة لي عن حكايتها الاساسية ,فذات مرة كنت اسئلها عن الاختلاف البادي بينها و بين بقية العاملات او الممرضات الذين يؤدون خدمة للمريضة وة عينهم علي جيبه و ان لم يأخذوا نقموا
قالت لي ...: يا دكتورة قدري واحد ممعهوش قدري اي حاجة , و كمان يعني اصلا الحادة دي عبارة عن استذواق من الناس , مينفعش تبقي غصب او بالعافية ... تعرفي مثلا , كتير اكون بزق مريض علي عجلة او اوصله او اي حاجة و بعدين يجوا زمايلي يقولوا مداكيش حاجا اقوللهم لأ يقولوا لي وراه , تقوللهم لأ طبعا , قلت لها : هو حد رباكي مثلا علي شئ زي دا ,’ قالت : لا خالص , و فهمت من الكلام ان لها اختين يعملان في نفس المستشفي و لكنها علي غير وفاق معهما و ان طبعي غير طبعهم , و قالت لي بالك يا دكتورة دا اصل طبع و استحالة الواحد يغير طبعه بعد السنين دي كلها . و حكي لي قائلة اني ذكرتها بموقف ... قالت لي في يوم كان فيه عيان قاعد بقالة مدة و كان بيقوللها انه ملوش حد يسئل عليه و كدا وانها تستحمله , قالت له و ماله يا حاج ( بالمناسبة اللقب دا بيقتال لكبار السن بغض النظر عن اي اعتبارات اخري ) لدرجة ان ملابسه الخاصة كنت بوديها لمغسلة المستشفي ضمن غسيل المستشفي الداخلي , و حتي في الفطار كان يقوللي جيبيلي زي ما بتجيبي لنفسك , و كنت بشتري له رغيف فول و رغيف طعمية و مش بيحاسبها عليه ... المهم , ربنا قدر و الرجل دا مات ... و احنا من عوايدنا لما حد بيموت بنطلع المرتبة في الشمس لو امكن , مأمكنش بنقلبها ... و انا بقلب المرتبة , الاقي تحت المرتبة ظرف و ساعة شيك و اوراقه , افتحل لك الظرف الاقي 1145 جنية فيه .... قولت لها نهم !!!! قالت لي اه و الله يا دكتورة .... قولت لها و بعدين ؟؟ قالت لي : شوفي انا مكنش فيه في المكان غير ربنا و انا , روحت للممرضة النبطشية علشان تكتب لي ( ام قشطة بالمناسبة لا تقرأ و لا تكتب ) علي الظرف اسم المريض و رقم التذكرة و يوم الوفاه و قيمة الفلوس . و شالتهم معاها . تاني يوم في امانات المستشفي وديتهالهم . انا صراحة اعجبت بهذا الموقف منها كثيرا و احببت اكثر ان اعرف لماذا تتصرف و تفكر هاكذا ... ثم ماذا حدث بعد ذلك ؟؟؟
قالت : انا بقي فوجئت بمن كان يقول انه بدون عائلة ولا اسرة و مقطوع من شجرة بناس بدل و عربيات و ايه حاجة ابهه اوي يا دكتورة و لما قالولهم علي المبلغ اللي سابه و الساعة اخدوا كل شئ . قلت لها و لم يعطوكي شئ ؟ قالت لأ حتي موظفي الحسابات و الامانات قالوا لهم ابقوا راضوا العاملة الامينة ( مراضية كناية عن البقشيش او ما شابه ) و قالوا طيب طيب و لم يعطوا المغسل او اي احد شارك في مراسم تششيع الجثمان .
قلت لها و لماذا لم تأخذي المبلغ , و هل شعرتي بالندم بعدما اطعمتي هذا الرجل و تبين انه غير محتاج يمكن ان تأخذي علي الاقل ثمن الاكل .. قالت لي لأ لم اشعر بالندم , هو قبل دا علي نفسه خلاص انا بعامل ربنا اساسا كما ان فلوس الاكل دي طلعت من زمتي ازاي يعني اخد حاجة و ابصلها بعد ما طلعت من ذمتي ؟؟؟ كانت تتحدث باستغراب حقيقي و ان هذا الامر لم يكن يخطر علي بالها من الاساس . و استكملت , و بعدين يا دكتورة دا مال ميت ... تعجبت من اللفظ و قلت لها هو المال بيموت ... قالت لي ايوة بيموت , قولت لها ازاي ... قالت لي ايوة مش لما الواحد لما يقطع النفس و يموت خلاص مش بيبقي له عازة , المال لما بيموت بردوا بيبقي ملوش اي لزمة , ادي الرجل اهه عاش اقل مننا و مات من غير ما ماله ينزهه , يبيقي دا مال ميت . و بعدين يا دكتورة زي ما بيقولوا مال الكنزي للنزهي . اعجبتني فلسفتها كثيرا , و حقا عندما تأملت عيونها و هي تحكي لم يكن بها اي دافع او نزعة غيظ او ندم من اي نوع انما فقط اندهاش من وجود مثل تلك النوعيات .
قولت لها هل اشعري بالسعادة او ان هناك شئ ينقصك ؟؟؟؟ فاكملت فلسفتها بالنسبة للمال و قالت: محدش يحسبها هي بتمشي كدا . لو انا قعدت احسبها و اقول الفلوس هتكفي ازاي ولا هناكل منين مكنتش عمري لا اتجوزت ولا خلفت لكن الحمد لله . و كمان ان الواحد يكون انوع (قنوع ) احسن شئ . ممكن حد يكون عنه مال قارون و ميكونش انعان يبقي ولا يسوي لكن الواحد طالما اللي معاه قادر يمشي نفسة بيه خلاص .... لكنها قالت بردوا ان هذه الايام فعلا ايام حزاني من ايام ما الحزين مبارك مسك الحكم ... قهقهت انا كثرا لهذا التعبير و اكملت هي بمزيج من الضحك الذي يشوبه الحزن ... الخضار و اللحوم غالية , و تندرت بموضوع انفلونزا الطيور اللي علي حسها ادبح كل الفراخ و بعد ما لكيلو كان ب خمسة و ستة جنية الكيلو , و لكنها مع كل ذلك قالت لي يا دكتورة انا الحمد لله فضل و عدل في نعمة كبيرة اوي اوي اوي غيرنا مش لاقي لقمة و متوي . علي الاقل العيال متعلمه و بتروح مدارس .
هؤلاء الناس هم اكثر فئة فعلا يشعرون بفارق الجنية و الاثنين جنية , عدد اسرتها 6 افراد ( هي و زوجها و ثلاث اولاد و بنت ) و يسكنون في غرفة واحدة بينها ستارة للفصل بين الرجال و النساء اثناء النوم . و علي الرغم من تندرنا بمجانية التعليم و دنو مستواه و تردي مستوي العلاج الحكومي الا ان هناك فئة لا يستهان بها تعيش علي هذا الكفاف ... فعلا سوف تضيع ان الغينا المدارس الحكومية او المستشفيات الحكومية , لان نصف العمي و لا العمي كله كما يقولون و كما قالت لي ان ابنتها طلعت الاولي علي المدرسة و اصرت علي ان تحضر لي نوع معين من البسكويت تعرف انني احبه . : )

في يوم اخر في نفس الموعد و نفس الوقت و نفس الجلباب و نفس الماء الساخن الذي اعد منه الشاي طلبت منها ان اعرف بقية قصتها بعدما خطبها زوجها الحالي و تم الزواج ...
قالت لي , هو بعد ما خلص الدبلون دخل الجيش , قعد تلات سنوات ... و طبعا كان لازم اني اصرف علي نفسي و اني اتكفل بمصاريفي لان الجيش مش بيأكل عيش... قولت لها مقاطعة ... هو انت اصلا ابتديتي شغل امتي ؟؟؟ قالت لي يعني حوالي و انا عندي 16 سنة ... و الدنيا كانت غير الدنيا اياميها , كان اي حد يشتغل يجي و بعدين يخلص ورقة براحته و هذا ما حدث , اتعين علي 14 جنية ... و فضلت اشتغل حتي بعد ما اتجوزت علشان الجيش و كدا , و بعد كدا بقعد ما فترة الجيش خلصت بحلوها و مرها , قعدت هي تدور لزوجها علس شغل و هي كانت بتقول انها مكانتش تتكسف تقول لحد و النبي يا خويا معندكش شغل للراجل ( كناية عن الزوج ) و ما فهمته ضمنيا من كلامها انها حركة و كل الناس تحبها لابتسامتها الدائمة , و بتقول :نجحت اني ادخل الراجل يشتغل معايا في المستشفي حارس امن ..... و شوية و بعدين جبت له شغلانة في البلدية , حتي هو قعد يقول انا اكنس ؟؟؟ قالت له و ماله ما انا بكنس و بمسح و كله , عيش عيشة اهلك يا راجل ... قاللها دا هدوني 30 جنية في الشهر قالت له ملكش دعوة هنوفر منهم !!!!!
هل بقيت الحال علي هذا المنوال و بدأت الدنيا في الاستقرار مع قشطة ؟؟؟

يا دكتورة الراحة التامة لما نموت دي مفيهاش راحة ,

يا دكتورة .. امره نافذ لو رضينا امره نافذ و لو مرضيناش امره بردوا نافذ و هنعيش في غم و مش هيرضي عننا

بعدها يا دكتورة بفترة كنت جيبت الولاد اصغرهم لسة بيتشال , جاء من شغلة بتاع البلدية – كان اول يوم رمضان – و هو واقع لما رداعة ورم و عملنا اشعة عرفنا انه اتكسر تلات حتت !!!! قولت لها يا ستار يا رب .. قالت انا كنت لوحدي و معايا العيل و بجري بيه علي المستشفي و الناس كلها مفيش حد علشان الفطار , و اتجبس و قعدت 45 يوم و لما فك لاقوا ان التجبيس كان غلط راحت معاه تاني عده مستشفيات و كان ساعات بيتحجز لحد ما روحنا مستشفي تاني عملوا له عملية شريحة و 5 مسامير , و تستمر في الحكي و الغريب انها حتي اثناء حكاياتها لا يبدوا عليها التأثر او بمعني اصح يبدوا و لكن الابتسامة لا تفارق وجهها او لنقل انه وجه غير عابس
********************************
توقفنا عند الشريحة و 5 مسامير
اعتقد ان هذه المرة اطلت و لنستريح الي الفاصل و سوف نعود قريبا للجزء الاخير . باذن الله


هناك 7 تعليقات:

خمسة فضفضة يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ازيك يا شموسه

الصيدليه دي دنيا تانيه وعالم مختلف بيجيلنا لحد عندنا وياما هاتلاقي عظات وعجايب في حكايات البشر اللي بتتعاملي معاهم ، حاجات كتير ممكن جدا ما تتخيليش انها بتحصل في ارض الواقع



والله انت فتحتي نفسي اروح اكتي حكايه في "علي طول الحياه" مدونتي التانيه

سلام

Ma 3lina يقول...

malo elfranco b2a :P

دى الحاجة الوحيد الللى بتصبر الواحد على الشغلانة دى

ربنا يكرمها يا رب و يكرمك انتى كمان :)

مستنية بقية القصة

محمد هيكل يقول...

مستنيين باقى القصة

يا مراكبي يقول...

بجد الحلقتين مشوقتين يا دكتورة

سبحان الله .. الدنيا ياما فيها قصص أغرب من الأفلام والمسلسلات كلها

في إنتظار الباقي

شــــمـس الديـن يقول...

السلام عليكم
ياااااااااااااااااا ه علي الناس الحلوة اللي نوروا المدونة فعلا لما علقوا عندنا
ازيك يا دكتورة اخبارك ايه :))

طبعا الصيدلية عالم مختلف تماما و اوافقك جدا ان الواقع اغرب و اكثر عمق و تشابك من تأليف اي مؤلف

يا سيتي حلو اوي اننا كلنا نتكلم عن النماذج الملهمة دي علشان نحس ان لسه في امل و الدنيا لم يقال عليها السلام :)

منورة بجد كمان مرة

*********************************

@ ماعلينا
عارفة يا مرام
اكيد فيه في كل شئ حاجة صغننة بتصبرنا عليها
فعلا ربنا يكرمها بالجامد ان شاء الله :)

***********************************

@ باشمهندس محمد هيكل
قريبا :)

**********************************
@ باشمهندس القاضي
بيعجبني اصرار حضرتك انك تعلق علي المدونة مش نوت الفيس بوك
و انا فعلا بجد بقيت انزل في المدونة احتراما و اقتناعا برأي حضرتك لان معك حق و المدونة رغم ان زوارها كتير لكنها فعلا الابقي :)

البقية فعلا صادمة بس هي دي الحياة
*********************************

اول اتنين علقوا كانوا بنات و صيدلانيات
و تاني اتنين علقوا ولاد و مهندسين

صدفة غريبة :)

ebn roshd 777 يقول...

بالرغم من انقراض هذه النوعيه من البشر الا انني شخصيا علي يقين انهم مازالو موجودين بيننا
وفي كل تجمع بشري ستعثرين علي واحد منهم وستندهشين حتما لوجود مثل هذه النوعيه الملائكيه التي تعيش بين الابالسه
برايي احلي ما في هذه الشخصيه انها نعطينا الامل في تهذييب اخلاقيات المصريين التي وصلت فعلا الي الحضيض

شــــمـس الديـن يقول...

@ ابن رشد

هو طبعا نموذجها بيدينا امل ان خكة التدمير لم تنجح 100 %
و لو اني اشك انها تكون بتدي امل لاصلاح شئ قائم بالفعل

صعب اوي تصلح حد علي طبع معين خاصة لو كان ردئ - و لو انه مش مستحيل لكن فقط صعب - و لكن الاسهل او الاكثر جدوي انك تركز علي الاجيال القادمة