في رواية يوميات نائب في الارياف ... كان توفيق الحكيم يعمل وكيل نيابة في احد القري النائية في الريف المصري ... وكان يواجه اشكالية اخلاقية في تعامله مع الفلاحين الذين يطبق عليهم القانون ... ذلك ان احوال الفلاحين الانسانية غاية في التدني ... و لكن عليه ان يطبق القانون المجحف التي وضعت دون مراعاه لاي من الظروف غاية في الفقر التي يعيشها الفلاح المصري آنذاك ... فكان مثلا يحكم بغرامة علي المرأة التي تستخدم مياه الترع للغسل - رغم انه ا يوجد لديها اي مورد للماء في بيوت الفلاحين البدائية - و قس علي ذلك كثيرا ... حتي انه عندما كان يوقع العقاب بأحدهم كان هذا الفلاح لا يفهم لماذا تم ادانته و لماذا سوف يحبس ... وقد يجد بعضهم يقول ان الحبس شئ جيد , فهو يضمن لمدة اسبوعين ان يوجد له مأوي و طعام حتي و ان كان خبز و ماء !!!! كانت هذه اول الافكار التي ترسخت داخلي ... ان وضع القانون دون مراعاة لظروف المكان الموضوع فيه , يكون قانون عبثي , و الاصلاح الاجتماعي لا يكون بالقانون ابداً انما يكون بتحسين مستوي المعيشة , و اصلاح الافكار , و ايجاد فرصة ليري الناس جدوى الافكار الصالحة ( يعني اللي هيكون افضل او متعلم هيعيش حياة احسن من الانسان الغير متعلم و ان الاخلاق تعود علي صاحبها بالنفع و ليست مجرد ضعف يمارسة قليل الحيلة ) و يمثل هذا كله قدوة حية تعيش بينهم ... و ليست مجرد افكار صماء لا تعيش علي ارض الواقع و لا مجال لتطبيقها بيننا
*********************************************************************************************
يكثر الحديث لان عن وجود - مرجعية - لاي حزب سياسي او لأي فعل نفعله ... هل المرجعية مهمة ؟؟ بمعني آخر , هل وجود اطر محدده لرأي معين حتي و ان اجتمعت الاغلبية علي رأي مختلف هو شئ مهم ؟؟؟ سؤال يتم طرحه بين الحين و الآخر و قد يعتبره البعض ترف و قد يري البعض انه لا يهم موضوع المرجعية هذا
.... **************************************************************
انتشر الفترة الماضية علي النت فيديو يوجد فيه مدرس يتعامل بهمجية مع اطفال و يوبخهم - بطريقة فجة للغاية - و ينهال عليهم بالضرب و يعامل الفتيات منهن بشكل غاية في الغباء و القسوة دون اي مراعاه لفارق النوع .... صراحة لم استغرب هذا التصرف ( رغم فجاجته ووحشيته ) لأني اري الكثير من الامهات للاسف يتعاملن مع ابنائهن بتلك الطريقة ... هي منظومة تربوية للاسف معتاده في مجتمعنا و غير مستنكره و يراها البعض ضرورية كي يعي الطفل الفارق بين الصواب و الخطأ ( رغم ان هناك طرق كثيرة جدا يمكننا ان نعلم الاطفال الفارق بين الصواب و الخطأ و يكون الضرب هو الحل النهائي و ليس بداية الحلول و ايسرها ).... و كنت اري هذا المشهد في كثيرا في احياء عادية ... اما صدمتى تمثلت عندما وجدت ام تصرخ بأعلي صوتها و تسب ابنتها سبه سوقية فجة لا يمكنني ذكرها - المثير ان هذا حدث في مول راقي للغاية و كانت ملابس المرأة و الفتاة الصغيرة لا توحي بأن تلك الالفاظ قد تصدر من هذه الفئة ... و لكن يبدوا للاسف ان سلاطة اللسان لا طبقة لها ولا جنس حتي ...
نعود للمدرس , سلوكه غير تربوي ... و لا اعتقد ان انسان بتلك العقلية يمتلك اي علم يمكن للطلبة ان يتحملوا ذل التعلم ساعة كي يحصلوا عليه كما يقول المثل ... بل اعتقد انه تحول لي آله تؤدي عمل روتيني خالي من اي وعي بأهمية دوره المحوري الذي يشكل وجدان غضة ستحمل مستقبل البلد بعد بضع سنوات .... المدرسة لا تملأ الطلبة بالعلم فقط و لكنها ترسم اطار التعامل ما بين الاعلي و الادني درجة ... و تأصل هذا المفهوم في الوجدان جيدا ً ... الظريف انني سمعت ان هذا المدرس قد تم حبسه بتهمة التعامل الهمجي مع الطلبة ... لا ادري لماذا لم اقتنع بهذا الإجراء , هذا المدرس يعتبر حظه عاثر لان فيديو ضربه للاطفال تم نشره علي النت ... لكن ماذا عن مئات المدرسين الذين ينتهجون النهج نفسه في اغلب مدارس الجمهورية ؟؟؟ ماذا عن زملاؤه في العمل الذين يتعاملون بنفس الاسلوب ؟؟؟ هل ستردعهم تلك العقوبة ام سيعتبرونه نوع من التعنت الحكومي و استكمال للمنظومة الازلية من ازدواجية في فرض العقوبات دون ان يدري او يقتنع من فرضت عليه العقوبة انه اخطأ ( هو شئ قد يبدوا مثاليا لكنه مهم جدا ً حتي لا يكرر هذا الامر او يعرف لماذا تم هذا اصلا ً ) ... و هل هناك آليات منظمة و آليه كي يتم الشكوى ان تعرض بعض الاطفال في اي مكان آخر لعمليات ضرب مبرح بهذا الشكل ... لانه لا يعقل بالطبع ان يكون اسلوب عرض المظالم هو تسجيل اليو تيوب و عرضه علي النت كي يثير رأي عام لكي يتحرك !!!! ما جعل ظنوني كلها في محلها هو رد فعل الاهالي الذي آتي يؤيد افعال المدرس !!!!! هؤلاء اولياء الامور لهم فكر مختلف تماما ً عن الافكار التي نتناولها عبر النت ... هم يرون ان الضرب مهم بل هو شئ طبيعي و من صميم ثقافتنا ان يضرب الطفل كي يتم تربيته ... كأنه لا توجل وسائل اخري للتربية و التعليم غير الضرب ( اكرر هو حل نهائي بعد استنفاذ كل سبل التقويم لكنه ليس بداية القصيدة ) بل و يدافع الاطفال انفسهم عن سلوك مدرسهم ؟؟؟؟ هذه ليست صورة اخري من صور استكوهولم ( استعذاب الضحية لسلوك الجاني ) لكنها صورة مركبه و مشوهه من انعدام الثقافة و الافتقار لاسلوب متحضر للتعليم + عدم التواصل مع تلك الطبقات لانعدام التنمية و اهتمام الدولة بها تعليميا ً بشكل حقيقي ... فالتعليم لابد له من تدريب و ممارسة واعية و اعداد مكثق و حقيقي و علي درجة عالية من الاحتراف للمدرس في الاساس و ايجاد سبل حياة كريمه لهم و و تعليمهم ان هناك اساليب اخري غير الضرب يمكنها ان تقوم الانسان بشكل حقيقي ( لان الغاء الضرب جاء قرار ابتر و لم تتغير المنظمة ككل فلم يعد هناك اي وسيلة لعقاب الطالب نهائياً - ككل العلاجات المبتورة للمشاكل التي تواجهنا بأن نستور الحل النهائي دون التعب في بناء المنظومة التي يمكنها تطبيق هذا الحل فتأتي نتيجة عكسية تماما ً -ادي ذلك الي ترسخ في ذهن الجميع ان الضرب هو اسلم وسيلة للتربية و اكملها ... ( فالمدرس الذي يضرب اليوم هو المدير الذي سيذل الموظف غدا و افعاله مبرره ( لأنه المدرس /المدير / صاحب اليد العليا و فاهم اكتر مننا ايا كان ) بل لابد علي ان انافق كي اصل و هو هو ايضاً الشرطي الذي قد يدوس كرامة المرء في الطريق و يشعر انه افضل من المواطن العادي ( تعبير اسيادهم يتردد كثيرا في اوساط الشرطة ) و تتولد فكرة ان مجابهة الشرطي تكون بالعنف و البلطجة فقيمة مثل الاحترام المتبادل بين المواطن و الشرطي غائبة لوجود تلك الثقافة في الوجدان المصري متمثلة في سلوك المدرس مع الطلبة بشكل اولي
هنا ايضا ً تظهر عندنا ازمة المرجعية بشكل قوي ... فرأي الاغلبية في تلك الحالة ( الاهالي و المدرسين و حتي الطلبة ) يلتمس العذر لسلوك المدرس ... فمن سيخبرنا اذن ان هذا السلوك هو سلوك خاطئ ؟؟؟ هنا تبرز اهمية وجود مرجعية ترشدنا لما ينبغي ان يكون حتي و ان لم يجتمع الاغلبية عليه (( (اعرف ان تلك النقطة بالذات ستفتح علي ابواب جهنم فمن سيحدد المرجعية طالما هناك نقاط خلافية ؟؟؟ انا لا اقول ان المجتمع ككل فاقد للمرجعية الرشيدة , فحتي و ان ذل اختياره في جزء او حالة معينة فلا اعتقد انه يمكننا تعميم هذا الامر ... لمن هو مؤمن بمرجعيةاو اطار معين عليه ان يعمل بشده و دأب كي يجعل تلك المرجعية خيار شعبي يجتمع عيه الناس ... و هذا لن يحدث في غشية و ضحاها او حتي في خلال عشر سنوات .... هذا الامر عبارة عن خبرة شعوب تراكمية و لكن عليها ان تأخذ مجراها و مسلكها الطبيعي من احترام خيارات الناس و اقتناعهم ان هذا الخيار لم يكن جيد و صهود خيار اخر يتلافي عيوب الاول و هاكذا حتي ينضح الامر ... لن يتأتي هذا الامر بشكل قسري او ن طريق الاجبار ... لابد من التجربة والصواب و الخطأ حتي يمكن ان تكون لدينا مرجعية شعبية صائبة تقودنا نحن ما نطمح اليه )))ما الحل ؟؟؟ الحل في العهد الجديد الذي تريد مصر ن تتسيده , هو ان تجرب ان نسلك الطرق الصعبة التي تستأصل المشكلة من اساسها , فلا معني ان اصدر قرار مفرد ابتر ( ان احبس المدرس او ان الغاء الضرب فقط مع بقاء عدد الطلبة في الفصل 70 فرد مثلا ً ) دون ان اؤهل المدرسين او ان اصلح المنظومة التعليمية بشكل حقيقي , التي لابد لها من ثواب و عقاب يضمن للطالب ( تقاوي المواطن المصري ) تعليم و ارشاد حقيقي و في نفس الوقت لا يقضي علي كرامته ... اصلاح يضمن ادمية التعامل مع كل من الطالب و الاستاذ , اصلاح يجعل الجميع يؤمن بالدور الذي يؤديه ... و ليس مجرد تغيير مناهج و وضع جمل و حذف جمل من المقرر و جعل المقررات خاوية من اي معني او هدف فقط كي يقال اننا ننزع الحشو ... فأدي ذلك لامخاخ سطحية و ضاعت قيمة طلب العلم و التعلم بين كل هذا ... حتي يعلم المدرس اذا تم عقابه لماذا عوقب ... و حتي لا يدافع الاهل و الاطفال عن المخطئ ... و حتي تكون قيم المجتمع متسقة مع مرجعيته و متسقة مع قوانينه ... هذا ان ارادت مصر فعلا هدم النظام و بناء نظام حقيقي , يعتمد علي الانسان قبل كل شئ , ولا اعتقد ان هناك سبيل آخر يضمن لنا حل جذري لأغلب المشاكل التي نعانيها , رغم صعوبته الا انه السبيل الوحيد ... اتمني ان نسلكه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق