السبت، سبتمبر 28، 2013

عن الإختلاف ... و إشكالية "خالف تُعرف "


عندما شاهدت فيديو * الطالبة التي رفعت شعار رابعة و كسرت الشكل العام للنفاق الإجتماعي الفج , رد فعل مبالغ فيه و سخيف للغاية ان يكون كل هذا التشنج و العصبية فقط لإشارة بسيطة . أعتبر تلك الفتاة بطلة حقيقية من الناحية النفسية , فهي لم تتماهي معهم أو حتي تكتفي بالصمت و لكنها رفضت أن تكون مجرد فرد في القطيع الذي مثلته الفتيات اللآتي رددن عليها بعلامات النصر و السيسي , و اصرت ان تقول ما تريد و تراه صوابًا . 



تصرف تلك الفتاة دفعني لسؤال آخر , هل كل الخروج عن النص المرسوم فعل محمود ؟؟ يعني هل دائمًا القطيع هو الغبي و الفرد الشارد هو المتميز المتفوق ؟؟ هل التمرد في حد ذاته كفعل هو الغاية ؟؟


أجد تلك الفكرة في إزدياد مستمر تلك الأيام ... لابد من التمرد دائمًا و نبذ كل ما هو قديم . فلها صور كثيرة جدًا حولي ...

 يتم التندر علي افراد جماعة الإخوان لانهم لم يتمردوا و لايزالوا في قطيع , يتم السب في النظام التعليمي كله علي بعضه فقط هكذا و إن سألت ما هو وجه الخلل بشكل من التفصيل كي تفهم اكثر يُقال لك كلمة غاية في الإختصار و حتي و ان كانت حق فهي اريد بها باطل ( اصلنا بنحفظ و ولا نفهم ) ... يتم السخرية من غالبية الوصفات التقليدية الشعبية في الطب التقليدي بحجة البدع و التخلف ... و يتم قياس العروسة الجيدة على أنها ( مش عايزة نيش ولا أي متطلبات البته لا مهر ولا شقة ولا أي شئ لأن كل تلك الاشياء بدع قديمة لابد من الثورة عليها )  ... هناك من يصنع من الدولة الحديثة صنمًا لا يكف عن رجمه إن حدثت له اي مشكلة ايا كانت كأنها هي الشيطان الأعظم ...  حتي بعض الفتيات يفكرن في خلع الحجاب لانهم لا يردن أن يكون تحت رحمة المجتمع ولا يتأثرن به وليسوا أغبياء كالغالبية العظمي التي تفعل الاشياء فقط لانها فرد من القطيع المجتمعي .




 أتفهم تمامًا كل تلك الدعاوي السابقة , فعندما نكون في مجتمع متخلف بليد غير قادر علي الإبداع ولا توليد الأفكار , يكون التفكير الثوري من الشباب هو عبارة عن رد فعل بنفس مقدار التخلف الواقع عليهم و لكن في الإتجاه المضاد  .  في تلك الأمثلة السابقة قد أتفق مع بعضها و أختلف مع بعضها الآخر ...  لماذا ؟؟ 


لأن المفتاح للأشياء هو : الفهم ... و ليس التمرد في حد ذاته كغاية . فالاختلاف للإختلاف يجعل كل المختلفين دون فهم لا يختلفون كثيرًا عن من يظنوهم قطيع تركوه . دون فهم سيتحولون هم لقطيع آخر و لكن في الجهة المضادة لا معني له إلا انه مقلوب الآول . فهم الغايات الكلية من أي شئ و أي عمل هو ما يجعل المرء يتصرف تصرف له معني . سواء كان داخل القطيع أو خارج عنه .


لنفد مثلًا الأمثلة التي ذكرتها فوق .


-  نظرًا لأننا لم نترب أساسًا علي ثقافة العمل الجماعي , و عندنا خلل في منظومة القوانين أي أنها لا تسن للتسهيل و لكن للتضييق علي خلق الله فكان التحايل عليها من اساسيات الحياة في مصر .  و هذا سبب اساسي من ضمن اسباب فشلنا ان نكون مجتمع حيوي ,  ... فبشكل عام نحن علي مستوي المجتمع لسنا نفهم طبيعة تكوين الإخوان من الناحية الإجتماعية لاننا لم نمر بتلك التجربة ولا يوجد شئ شبيه وعينا الجمعي . فلا نفهم كيف هم مترابطين و كيف ان هناك رابطة قوية جدًا علي مستوي الافراد . هناك خلل رهيب في اشياء كثيرة عند الإخوان لا يوجد عاقل ينكر ذلك و لكن عدم الفهم يؤدي للحكم بشكل سطحي انه من يرفض ان يتركهم هو  خروف (و عذرًا في اللفظ ) هناك اعتبارات اخرى تحكم الامر و ليس الامر بهذه السطحية . 


- بالنسبة للنظام التعليمي الذي يتم سبه دائمًا . حسنًا أعلم ان التعليم الأساسي حاصل علي المركز الأخير 148 علي مستوي التعليمات الاساسية في العالم . و لكن ما هي المشكلة حقًا ؟؟ هل هي الحفظ ؟؟  . إنظر الي المناهج لتعلم ان المناهج اصبحت غاية في السطحية . اصبح الطلاب لا يحفظون جدول الضرب و يستعيضون عن ذلك بالآله الحاسبة في الصف الرابع الإبتدائي (إذن هم فعلًا يقللون الكم المعطي للطفل فعلا و يقللون الحفظ) و لكن هل حل هذا المشكلة ؟؟ بالطبع لا . لماذا ؟؟ لانه لا يوجد فهم ولا توجد رؤية كليه للأمر . لا توجد خطة عندما يترك الطالب المرحلة الاساسية يمكنه ان يكون مواطن صالح بحق . ما هي الاشياء التي ينبغي ان نغرسها في طالب المرحلة الابتدائية / الإعدادية / الثانوية ؟ هل يمكننا اختصار الوقت للازم لغرس القيم الاساسية ؟؟ لا اعتقد ان اي ممن يعملون في العملية التعليمية ( المدرسين لديهم قدرة علي الرؤية الكلية ناهيك عن تدريسها للطلبة لتكون اسلوب تفكير علمي لهم . الامر لم يكن ابدًا كم حفظ كبير او صغير و لكن اجرائي بحت . ليس الحفظ ابدًا هو المشكلة بل هو ضروري فعلا لبعض المواد  . فلابد ان يكون الفهم جنبًا لجنب مع الحفظ ولا يكتفي بأحدهم دون الآخر .




- إن كانت لدينا قدرة حقيقية علي البحث العلمي , يمكننا ان نخضع كل الوصفات في الطب التقليدي للتجربة . فلا نرفض فقط للرفض لانه لم يوجد في الكتب الأجنبية التي درست ,  فلا يمكن الحكم بخزعبلية وصفة خاصة ان كانت مجربة بالفعل و تؤتي نتائج ايجابية .المفترض ان اجري ابحاث عن لماذا تنجح تلك الوصفة او ما هية الاسس العلمية التي تجري عليها , و ان كان هناك شئ لا علاقة له بالطب او البحث فيمكننا اثبات فشله بمنتهي السهولة .   للاسف العقلية العلمية الحقيقية التي تدربت علي الفهم العميق ليست متوافرة في مصر ( أن اراقب ظاهرة و ابحث عن اسباب و اضع عدة سيناريوهات  اجرب طرق الحل و اضع تقييم في النهاية ) فحتى الابحاث العلمية الموجودة هي ابحاث مستوردة أو اجراها اجانب هنا .   




- جائني سؤال علي الآسك في مرة ان هل عندي نيش , و اجبت بلا , و لكن الامر لا يقاس هكذا , فهناك من يحتاج هذا النيش , و هناك من لا تحتاجه , نأتي مرة أخري للفهم ... التيسير في متطلبات الزواج قد يتم استخدامه في بعض الاوقات لتبرير كسل العريس أو حتي بخله في ان يأتي بالاساسيات . و هناك من تري أن الشخص المتقدم لها فعلا رجل بمعني الكلمة و تقرر التنازل الطوعي عن حقها في سبيل مساعدته . و هناك فعلًا مغالاة في هذا الامر من أهل العروس ( و لو اني بعدما عرفت عادات الريف و الصعيد في الزواج و صرامة تقاليدهم مقارنة بسيولة المدن و ان كل اسره تفعل ما تريد و غير متقيدة بعرف اجتماعي , وجدت ان فتيات المدن أقل مهور و تكاليف :D ) فلا يوجد مقياس ثابت و لكن لكل حالة و كل حادث و له حديث . الاساس هو فهم مسؤولية هذا الامر . 



-  بعض اطروحات منتقدي الدولة الحديثة تدعوني للسخرية و التعجب . هل حقًا انتم مدركين لما تنتقدونه ؟؟ انتم تنتقدون بديهيات أي عمل بشري منظم و تعطون للمجتمع قدرة فوق قدرته . لا يمكن ترك الامر للسوق وحده . و هناك اشكاليات كثيرة لا مجال لذكرها و لكن مفداها ان تلك الأطروحات مبنية علي سياسة رد الفعل لما هو حالي و ليست الفهم العميق .  




- أما عن مشكلة الحجاب و خلعه , فللاسف هذا امر غاية في التركيب , و لكن مفداه أننا كمجتمع لم نترب تربية دينية و إيمانية سليمة و ظللنا نبعد و نبعد عن المعين الحق , و جائت كل المحاولات لرتق الصدع تقع في موقف ( رد الفعل الرافض لكل شئ و الجاعل لدور النساء فقط كأم و زوجة لا شئ غير ذلك و تناسي دورها الإنساني الإجتماعي ) فأدي لذلك لنموذج منفر للغاية جعل فتيات كثيرات يرفضن الشكل التقليدي للإسلام ( بما في ذلك الحجاب ) و تعددت ردود الافعال بين الالحاد الصريح و بين الوقوف مسافات من تلك الفلسفة . ما أدري لذلك هو الجهل و عدم الفهم و عدم وجود قدوة ( و إن وجدت يتم محاربتها بضراوة و عدم الإحتفاء بها ) .



بعد تفنيد كل الأمثلة السابقة الآتية من فلسفة " خالف تعرف " علمنا أن المشكلة ليست في المخالفة و التمرد للتمرد . ليس كل تمرد محمود و ليس كل سير مع الغالب منبوذ , و لكن المشكلة الأساسية هل يوجد فهم لما نفعل و إدراك للصورة الكلية و التبعات و بديهيات تفكير منطقي أم لا . وفقنا الله و إياكم لما فيه الخير .  


----------------------

* فيديو الطالبة http://www.youtube.com/watch?v=hPoDNUGS-UQ

هناك تعليقان (2):

خالد يقول...

مشكلة التعليم مش في الحفظ بحد ذاته، المشكلة في أسلوب الحفظ و الهدف منه.
فيه حاجات كتير الإنسان بيعملها بدون تفكير ولا تركيز لأنها انطبعت في عقله من كتر ممارستها. إحنا مش بنعلم الطلاب بالممارسة. على أيامي مكنش مسموح لنا بعمل تجارب في المعامل لأنها "عهدة" خايفين عليها. و كل ما تنتهي مرحلة تعليمية في حياتك و تنتقلي للمرحلة الأعلى أول جملة بتسمعيها "انسي كل اللي اتعلمتيه قبل كده" حتى لما بتخلصي جامعة و تشتغلي غالبا نسبة قليلة من اللي درستيه بتحتاجيه في شغلك و فيه حاجات كتير جدا ملهاش أي لازمة عمليا (رغم إني أعترف إن منها ما هو مفيد لمن يقرر المضي في طريق البحث العلمي).

يا مراكبي يقول...

مثلما خلصت أنت في نهاية المقال، لا يمكن وضع قواعد ثابتة لهذه الإشكالية

فلا الوعي المجتمعي المتشابه خطأ على طول الخط، ولا الإختلاف المتعمد هو الآخر يحالفه التوفيق أو يجانبه في نفس الوقت

ذلك لأن المسلمات الأساسية التي تحكم المجتمع في كل الأمثلة التي ذكرتيها هي مختلة في الأساس، فالأمر يحتاج إلى توعية وتربية للجميع مجدداً (من أول وجديد).