الجمعة، سبتمبر 05، 2008

حدث في المترو !

قصة قصيرة , و هذه اول محاولة لي لكتابه هذا النوع ارجو ان افلح فيه, و هي رد علي رائعة حفار القبور كارثة المترو


*********************************



أحداث هذه القصة , واقعية ,و الحمد لله
و اي تشابه قد يجده القارئ بينه و بين اي شخصية واقعيه انما هو مقصود عمدا مع سبق الاصرار و الترصد
---------------------------------------------

معايا قلم كحل طري مستورد بجنيه و نصف, معايا كل الالوان بجنيه و نصف روج شفاف بيلمع بجنيه و نصف , جميع الالوان بجنيه و نصف , شراب فوال شراب محجبات شراب مدارس بجنية و نصف
ز
اصبح من المألوف ان تجد بائعات ينادين علي بضاعتهن ان كنت مثل صاحبتنا التي تعتاد ان تركب المترو ان ارادت الذهاب لوسط البلد الساعة 2 ظهرا و تعود بسرعة,
كثيرا ما كانت تشعر بالاستياء من هؤلاء البائعات ... لانهن سبب " زحمة مصر " لانهن تركن قراهن و هجمن مثل الوباء علي القاهره و شوهنها تماما ... و لكن كان هناك صوت يقول لها ان كان هناك مصدر رزق لهن في بلادهن " تقصد الارياف " ما كن ليتركن بلادهن ...و كانت دائما تنتابها مشاعر متناقضة بين العطف عليهن و الاستياء منهن, و لكنها كانت تنهي الحوار داخلها بانه "افضل ما يسرقو" و
و لم يكن من يبيع هذه النثريات في الحقيقة طبقة واحدة , فهناك القرويات , و هناك المنتقبات و هناك من هي بلا حجاب و هناك من كانت تظن انها مؤهل عالي من اسلوبها الراقي في الحوار و طريقة ندائها علي البضاعة و ايضا لم يكن الامر يقتصر علي الشابات فكانت هناك النساء المسنات و اللاتي تخصصن في بيع المناديل فقط ... و هؤلاء حقا من كان لهن نصيب كبير من شفقة و تعاطف صاحبتنا معهن


حد عايز اربع دبابيس تحجيبة بنصف جنيه , اربعين دبوس تحجيبة بجنيه ,شنطة مكياج... مبرد للضوافر... مراية شنطة بجنيه ... حد عايز


ركبت صاحبتنا في عربة النساء كالمعتاد ... جلست بعد فترة كالمعتاد ... و كانت هذه المره البائعة - بائعتان للدقة من اصل ريفي يعملان كفريق - واحدة تمسك بالبضاعة و قد رصتها في يد واحدة بشكل بديع للغاية ... لا ادري كيف تتملك ناصية كل هذه البضاعة في يد واحده... و كانت الاخري معها الكيس " هو ليس كيس بالمعني المتعارف عليه و لكن لو كانت هناك بؤجة او مخلة من خامة الكيس البلاستيك من الحجم السوبر عائلي لكانت هي هذه الشنطة " و تضع به كمية مهولة من البضاعة ...

فوانيس رمضان بجنية و نصف الصغيرو الكبير باتنين جنية ... حد عايز

عندما لا تجد البائعة الريفية سوق لبضاعتها تقلب علي بضاعة اخري فورا حتي تحاول اجتذاب اكبر عدد من الزبونات ... و عندما وقفت المحطة تصادف ان صعدت فتاتان اكبر قليلا من الريفيات و معهن نفس الشنطة الكيس المخله ...و هما اذن بائعات متجولات ايضا ... و لكن الفارق الوحيد ان البائعتان الصاعدتان كانتا من الصين !!!!

صاحبتنا كادت تصاب بلوثه ... هي مصر اصبحت بلد السيولة النقدية الرهيبة التي تجعل البائعين يقصدونها من كل حدب و يصوب كي يبيعوا و يكسبوا ... الم يسمعوا عن وقفة مصرية لأن مواردنا تكاد تكفينا بالعافية و لذلك فبلدنا لا يوجد بيها موضع قدم لمولود اخر ... فما بالك بالمهاجرين !!!! م


تغير البائعة موضوع البضاعة التي تبيعه ( للمرة الثالثة في حوالي محطتين ) و اخرجت من الشنطة الكيس المخله محافظ و اعتقد انها لم تجد بداً من اتباع الطريقة المصرية الازلية في توزيع النعناع في الاوتوبيس و لكن لنسميها طريقة المحفظة في المترو ... و بدأت تدس محفظة علي رجل كل زبونة جالسة ... و التقت عيناها باعين البائعة الصينية التي كانت جالسة ... و كأنه حديث صامت دار بينهما لم يدم لاكثر من ثوانٍ, نفس الهموم و نفس المشاكل و المعوقات التي تقابل الاثنتين , فهما تركتا موطنهما الاصلي و اصبحا بائعتان جوالتان ... و لكن كان هناك حذر صامت و خوف من الاخر يشوب النظره و لم تضع علي رجلها محفظة ثم نزلت هذه البائعة الصينية في المحطة التاليه



كانت صاحبتنا تراقب هذا كله من مكانها ... و لكن فجأة وجدت زميلة البائعة الاولي في الفريق جلست مثل الراكبات العاديات, ووجدت صاحبتنا راكبه مجاورة لها في العربة تقول لها :" اخفي المحفظة " فقالت صاحبتنا : لما ,؟؟؟ قالت لان البوليس لمح البنت البائعة و يريد ان يجمع بضاعتها و يقبض عليها ؟؟؟
صراحة بلد المترو تملئ بقوانين لا حصر لها غير منطقية اساسا و تطبيقها يعتبر الظلم بعينه ... و ذكرني هذا الموقف بموقف توفيق الحكيم اثناء عمله كنائب في الارياف بان يقبض علي الفلاحين الذين يسرقوا كوز ذره من حديقة الباشا ليأكل و يعاقب ولا يفهم الفلاح لماذا يعاقب و لكنه يدخل السجن مسرور لانه سوف يجد اكل بشكل منتظم في السجن !!! ...و كأن التاريخ يعيد نفسه و لكن بشكل اكثر تحضر فها هو الشرطي ( الذي لا يكون موجود بعد الساعة 8 و يترك الرجال تجلس في عربة النساء الدائمة ) ها هو ليجمع المحافظ الموزعة علي راكبات المترو ... و السؤال الذي يطرح نفسه .. كيف يمكن لمن تضع هذه الكمية المهولة من البضاعة في يديها ان تختفي بيها ؟؟؟
و كانت الاجابة ان وجدت البائعة تصرخ و تبكي و هي و تتوسل للشرطي " ابوس ايدك يا بيه ... متاخدنيش يا بيه ... اخر مرة يا بيه ... انا غلبانة و الله يا بيه ...الرحمة يا بيه... و كان هناك شرطيان يقفان و يريدان اخذها و لا تستطيع زميلتها ان تظهر و الا سوف تلحق بها و يتم التحفظ علي البضاعة كلها ( الموجودة في الشنطة الكيس المخلي ) و

كان الجميع في ارجاء العربة مستنكر لما يحدث بشده ... و كانت صاحبتنا في قمة الغليان مما يحدث و لم تكن وحدها من يغلي من الغيظ ... الغريب ان كل حنقها و استيائها من البائعات الريفيات تحول الي شفقة و مناصرة علي الفور و لم تستطع التعاطف مع الشرطي الذي سوف يخلصها من وباء هجره الريف للمدينه و يعيد للقاهرة جمالها

و طالت المماطلة و تحرك المترو بدون ان ينزل الشرطيان بالفتاه البائعة... و هنا حدث شئ غريب للغاية


ابوس ايدك يا بيه ... متاخدنيش يا بيه ... اخر مرة يا بيه ... انا غلبانة و الله يا بيه ...الرحمة يا بيه

.


قامت صاحبتنا بغضب و حنق شديد الي الشرطيان و قامت معها راكبات اخريات ممن ضاقن ذرعا بهذه الممراسات - الغريب ان من قام كن من صغار السن و لزمت الكبيرات الصمت و مصمصة الشفايف - فقام ثلاثة بتشكيل فاصل بين البائعة و بين الشرطيان و كانت هناك فتانات اخرتان يهدئان من روع الفتاه البائعة المنهارة و الجميع في العربة يصرخ ... اتركوها , حرام عليكم , هو انتوا متعملوش حاجة لاخرتكم ابدا ... متسيبوا البنت تاكل عيش ... ولا عايزينها تسرق .. ولا تكونوش عايزينها تنحرف ... يا عالم احنا في رمضان اتقوا الله ... خافوا ربنا ... و تحول العساكر بعدما كانوا في موقف قوة الي موقف ضعف ... و لا يدرون ماذا يفعلون ... و قالت الاصوات , انت هتسيب البنت و هتنزل المحطة الجاية لوحدك
... ولا كأنك شوفتها و كفايا البضاعة اللي لميتها حلال عليك (قيل هذا الكلام كأنه امر فوقي غير قابل للنقاش او لمراجعته ) ... تتدخل مرأة ظريفة لتقول : ما هو معذور الضابط قالله امسكها ... قالت الاصوات , و انت لما تنزل و ستقل له انك و لا عرفت هي مين و هي بنت جنيه استخبت في الركاب و لم اجدها ... و قالت اخريات ... هو انت شوفت حاجة بقيت الاصوات ...لأ مكنش فيهأي بائعة في العربية يتدخل صوت واحدة شابه مستفزة ,ما تخلي عندك كرامه و رأي و تبطل تبقي تابع للي مشغلينك و بيعاملوك معاملة العبيد و تبقي راجل حر نفسك كلمتك من دماغك ... لم يتمكن الشرطيان المسكينان فرصة للرد او مواجهة هذا السيل العارم من الكلام و خاصة انه قد يطعن في كرامتهما .,... و كانا في موقف لا يحسدان عليه صراحة ولم يستطيعا المواجه او تبرير موقفيهما .... و جاءت المحطة و تم طرد العسكر من عربة النساء شر طرده و لم تمس الفتاه بسوء بل و تبرعت الراكبات باعطائها مبالغ مالية لتعويضها عن البضاعة المأخوذة من الشرطة ربما باكثر من قيمتها ...

كانت صاحبتنا في وسط من قمن بالكلام ... و لكن لم يظهر علي ما يبدوا ماذا كانت تفعل تحديدا ً لان الجميع كان يتحرك بتناسق و تناغم و كأن هناك من قام بتوزيع الادوار , من شكلن الحاجز و من تحدثت و من هدأن من روع الفتاه و من عوضها بالمبلغ المالي .... المهم انها كانت وسطهم و ساهمت بشكل او بأخر في هذه الحركة

لم تعرف صاحبتنا ماذا كان مصير الفتاتان لانها نزلت في محطتها ... و لكن تصادف ان ركبت اليوم التالي نفس الخط ووجدت نفس البائعتان ... يبيعان و معهما الشنطة الكيس المخله , فطمأنت انه لم يحدث لهن مكروه و لم يتتبعهما احد .


(تمت)




عندما تثق الجماهير في قوتها و لا ترهب شئ و تتحرك جميعها علي بكره ابيها ... فانها تدحر اي قوة غاشمة في طريقها

هناك 12 تعليقًا:

مصعب رجب يقول...

قصة جميلة

حياكم الله

استمر فهناك أفضل

AbdElRaHmaN Ayyash يقول...

:D فكرة عالية
ما شاء الله متميزة جدا
على الاقل كمرة اولى
ممكن في هنات بسيطة في الاسلوب
لكن واضح جدا و سلس جدا جدا
تحياتي حقيقة
:D
دمت بخير

مهرة سالم يقول...

ماشاء الله ..
جيد كتجربه اولى..
والى الامام دوما..

كراكيب عادل يقول...

انا بعتبرك في المقام الاول تجيدي تصوير المشاهد وكانني اراها فعندما كنتي تكتبي في السابق عن شارع ابو زيد كنت اتوق لكي اري الشارع

وعندما تكتبين قصص من هذا النوع فحتما ستكون تصوير رائع للاحداث

والشخصيات وتنقلك بينهم

جميلة

son's egypt يقول...

السلام عليكم
فعلا قصة معبرة عما يحدث داخل المواصلات العامة
من بائعة وخلافة
وبجد اسلوب سهل وبسيط

ابن رشد يقول...

اولا انا متشكر جدا على الدعوة
و لن اكرر حديث من سبقوني و لكن حقيقة فقد صدقوا الكلام رائع و القصة رائعة
و لكن احب ان اتدخل و لو بوجهة نظري معبرا عن بعض الاحداث
ان كل ابطال القصة ما عدا البطلة الرئيسية ما هم الا كومبارس يقومون بنفس الدور كل يوم
في كل يوم البائعة تقوم بنفس المشهد مع الجمهور و مع الشرطي و في كل يوم يقوم الشرطي بهذا المشهد و الجميع يعرف دورة جيدا و ما من جديد يدعو الي التعاطف ان التعاطف الحقيقي يكمن في التعاطف مع بطله القصة التي شعرت بانها تقوم باداء المشهد لاول مرة و ما تذكرت بدورها ان هذا احد المشاهد المصرية المتكررة

شــــمـس الديـن يقول...

السلام عليكم و رحمة الله و بركاتة

الفاضل ابو اسامة - كباية شاي

حياكم الله , شكرا جزيلا

**********************************

الفاضل عبد الرحمن عياش

كويس ان اول تجربة مشجعة اوي كدا :)

خالص التحية لك ايضا

***********************************

الفاضلة M.K
شكرا علي التشجيع :)

***********************************

الفاضل الكريم عادل

بجد الف حمد لله علي السلامة علي عودتك للتدوين

ياه ... انت لسة فاكر ايام شارع ابو زيد :)

شهادتك اعتز بها حقا :)

***********************************

الفاضل son's egypt

شكرا يا اخي الكريم علي التشجيع و الحمد لله انها سهله مش معقدة زي الكتابات الماضية

************************************
الفاضل شمس الزناتي

شكرا اولا علي تلبية الدعوة , و اسمح لي بان اتدخل ايضا و لو من وجهة نظري :)

ما يحدث كل يوم و تراة البطلة الرئيسية بالمناسبة هو ظلم و جور و طالما رأت البائعات الفتيات و هما بيتبهدولوا اخر بهدلة من الظباط ... و كتير اوي بتتصادر بضاعتهم كلها

ادي اللي بيحصل
لكن الظن بان الجميع يلعب دور مسبق اعتقد انه امعان في اولا التنكيط و التئاؤم

لان لو كانت ادوار مسبقة محددة فستكون مسرحية ممله و سخيفة و لن يوجد بها تجديد و لن يتم كسر القاعدة و تصحيح المسار

و لا ادري ليست البطولة في شخصية واحدة و لكن في الظروف المواتية جميعها التي جعلت الجميع يتكاتف سويا ... لا يوجد بطل منفرد اصلا هنا

خالص التحية للمرور و ابداء رأيك المهم :)

!!! عارفة ... مش عارف ليه يقول...

لُب القصة يكمن في الجملتين الأخيرتين
تحية لهذا المغزى العميق
الذي أبرزتيه
والبداية مشجعة جدااا
وقوية جداً

دومتي دوماً مبدعة
وليد

the others يقول...

لو عندي وقت كنت قريت بس زنقة الامتحانات ستة طب كل سنة وانت طيبة وشكرا على زيارتك المدونة

desert cat يقول...

نعملك اية يعني
مصداعانا بمغماراتك في المترو
ما تقعدي في بيتك وارحمينا

شــــمـس الديـن يقول...

الفاضلة the others
معلش ربنا معاكي يا رب و ان شاء الله تخلصي علي خير

كل سنة و انت طيبة

***********************

desert cat

مطلبتش من حد انه يعمللي شئ و الله , لو لو كنت مصدعاكي ياريتك كنت قفلتي المدونة و ولا كنتي جيتي علي نفسك و كتبتي العليق لو كنتي تعبانة اوي كدا


من كان يؤمن بالله و اليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت

و شكرا علي التعليق الذي ينم عن شخصية صاحبه :)

غير معرف يقول...

طريقة جيدة للسرد
وأجمل ما في القصة هو الحبكة الدرامية التلقائية التي يعيش بها الشعب المصري

لقد لمست القصة اخدى أهم النقاط الاجتماعية ان لم يكن قلب العواطف الاجتماعية وهو العاطفة التي تحرك الانسان المصري