الاثنين، فبراير 27، 2012

خواطر فكرية من وحي استعراض كتاب








تأملاتي اعمق من ان اناقش اشخاص فأحاول الانتقال من الاشخاص للافكار التي يتحرك الاشخاص في فضائها و كيف انتقد تلك الافكار و كيف تتولد ... فأرجو الامعان في الكلام و عدم الانجرار الي خاصية الدفاع الالي و التبرير التي تناب البعض عندما نذكر كلمة معينة او صيغة او فصيل معين ..... هذه ملحوظة في البداية



لي زمن لم احضر جلسة ثقافية من النوع المركز ( فالمحاضرات التليفزيونية و الندوات العادية الجماهيرية لم اعد اشعر انها تشبعني معرفيًا ) و حضرت اليوم نقاش حول كتاب الاستاذ عبد المنعم ابو الفتوح الأخير ( شاهد علي تاريخ الحركة الاسلامية في مصر 1970-1984)


للأمانة , قليلًا ما اجد عرضًا موضوعيًا ( اي لا يسقط تحيزات المحاضر الشخصية في عرض الكتاب ) كما ان الاستعراض جاء بشكل سلس اتاح لي القاء الضوء علي نقطة مظلمة لكنها هامة جدًا في تاريخ الحركة الاسلامية و ما يسمى بالجماعة الاسلامية علي وجه الخصوص و شكل مصر في تلك الحقبة ( التي يتصدر شبابها المشهد السياسي الآن ) بشكل أعم .
لن اخوض في تفاصيل الكتاب لاني لم اقرأه رغم اننا جميعًا استشعرنا نقص في تتابع و سيرالاحداث بشكل كلي و عدم التطرق لكل الموضوعات التي كانت في تلك الحقبة ( حتي و ان كانت شهادة شخصية ذاتية و موضوعية ) و عدم ابراء ذمة الكاتب في الشهادة التي كتبها ...

و لكني احب ان القى الضوء علي بعض النقاط التي لفتت نظري من الناحية المعرفية و التي تعبر بوضوح عن ازمة الافكار التي نعيشها و لازلنا فيها ... و لنحاول ان نعقد بعض المقارنات حتي نصل الي نتائج كما كانت تقول د. نادية مصطفي

في بدء السبعينات بدأت تحولات بتولي انور السادات الحكم , و تغيرت معه السياسة العامة للدولة خاصة تزامن مع ذلك وجود طلبة لا يعجبهم الهيمنة اليسارية و الاشتراكية التي كانت موجودة في الكليات ( لابد ان نلاحظ ان الهيمة مقصود بها العناصر النشيطة فقط في الكلية فدائما هناك الطلبة الساكنين المتفرجين - و هم الاغلب - و الذي لم يكن لهم دور و كانوا ينتظرون الخدمات التي تقدم لهم من اي من الفرق التي تسيطر علي الكلية ) و بدأ تيار من نوع آخرفي التكون ( نلاحظ وجود الزعامات التاريخية للاخوان في السجون في تلك الفترة ) و بعد ان اثبت هذا التيار الجديد ذي النزعة الاسلامية نفسه في مختلف الكليات , اطلقوا علي انفسهم اسم الجماعة الاسلامية ... كانت تضم الجماعة الاسلامية كل رموز التيارات الموجودة الان بمختلف تنوعاتها , بدء من قيادات الاخوان الحالية و ايضًا القيادات السلفية حتي التيار الجهادي بل و حزب الوسط الذي انضف لفترة للاخوان و عندما لم تتفق الرؤى انشقت تلك المجموعة عنهم ... كل هؤلاء كانوا تحت ما يسمى بالجماعة الاسلامية آن ذاك ...
عندما خرجت تلك القيادات التاريخية من السجون ... وافق البعض ان يعمل تحت لوائها و ان يكونوا كصف ثانٍ للإخوان ... و لم يرضَ آخرون بذلك ...

و هنا يأتي السؤال المفصلي المحوري جدًا

هل كان هناك مبادئ حقيقية يعمل تحت لوائها الحرس القديم من الاخوان الخارج من السجون او من انشقوا و رفضوا الانضمام و العمل تحت لوائهم ؟؟؟ ام ان الامر كان مجرد اتفاق علي الاجرائات و لم يكن هناك اتفاقات فكرية ابعد من ذلك ( نتج عنها انفصال كتلة الوسط عن الاخوان فيما بعد و استبعاد عبد المنعم ابو الفتوح من هيكل الجماعة الاساسي و انتهي الامر بفصله قريبًا ؟؟؟)
كانت هناك حاجة طبيعية من الكبار ان يجددوا دمائهم و شبابهم في شباب الجماعة الاسلامية لما لهم من حيوية و انتشار و اخلاص ... و كان هؤلاء الشباب بحاجة الي ركن شديد له خبرة تنظيمية معينة عثر كل منهم علي ضالته في الآخر ... و لكن ... هل كان هذا - فقط - يكفي ؟؟؟

اعتقد ان مشكلتنا الاساسية هي الانفصال دائمًا ... انفصال الاكاديمي عن العملي , هناك منظرين كثر و من كثرة تنظيرهم ينفصلون عن الواقع و نصبح نظرياتهم تعمل في الظروف المثالية التي لا توجد في الحياة الحقيقية او لتصبح النظريات عبارة عن مجرد رد فعل لما يتخذه الاخرين ( الغرب مثلًا البارعين في الدراسة و العمل جنبًا علي جنب ) فلا يكون التنظير خادمًا او دافعًا للحركة و لكنه ( و هو فعلا قيم ) الا انه يظل منفصل عن الواقع و لا يمتلك القدرة علي تحريكه ... و تظل نظرياتهم حبيسة الصفحات و الاوراق ولا تجد طريقها للنور او للتطبيق عمليًا ... و هناك علي الجانب الآخر , من لديه الجانب الحركي قوي جدًا و لكنه يفتقر الي ارضية فكرية و اساسيات يعمل عليها و يرد كل شئ اليها حتي لا يضل ... يكتفي بالنذر اليسير البديهي القادم من التنظير المنفصل عن الواقع ... و الذي لا يمكنه مواجهة اي مستجدات حقيقية , فيحدث تحبط في القرارات او عدم وضوح الاتجاه و عدم وجود رؤية كليه نهائية .

الحل في رايي هو التأرجح ما بين التنظير تارة و الفعل تارة , ثم مراجعة ما حدث في الفعل و تقييم ما حديث و محاولة التعامل مع المستجدات بشكل تنظيري ثم تطبيق الحلول بشكل عملي , تنظير ثم فعل ثم تقييم ثم تصويب اخطاء بشكل عملي و مراجعة ما يجد من مستجدات عملية ....

لم نجد من يتحرك و لديه فكر واعي و ارضية صلبة الا ندرة و لكنهم هم من احدثوا تغييرات جذرية حقيقية فنجد ان هيرتزل ( مؤلف كتاب :دولة اليهود ) عمل بما اتي له من قوي ان يجعل نظريته التي وضعها في الكتاب تري النور , و حينما وافته المنية اكمل اتباعه من بعده رسالته حتي قام الكيان المغتصب و ظهرت اسرائيل الي النور , ايضًا نجد ان هتلر كان يعمل وفق نظرية معينة صاغها في كتابه :كفاحي , و استطاع ان يغير وجه اوروبا (اتفقنا ام لم نتفق معه و فكره ) و ان ينموا بالمانيا يجعلها قوة جبارة في وقت قياسي ( انتكس و قاد بلده للهزيمة لانه وقع في الخطأ القاتل و هو غرور القوة ) و من عندنا من استطاع الموازنة بين النظرية التطبيق ... الامام الشهيدحسن البنا و الزعيم الراحل علي عزت بيجوفيتش , فكان الاول يتحرك و لديه رؤية معينة في خاطره ... ترجمها في كتاب الرسائل ... و نجد هذا ايضًا موجود عند المفكر و الفيلسوف و القائد علي عزت بيجوفيتش الذي كا يعمل وفق رؤية معينه في خاطره و ترجم تلك الرؤية او المرجعية التي تحكمه في رائعته كتاب الاسلام بين الشرق و الغرب ...


نعود الي ما بدأنا به المقال ...
لم يظهر من هذا الجيل - جيل الصحوة الاسلامية او الجماعة الاسلامية - اي منظرين علي الاطلاق ... او ربما كانت لديهم نظرية و لكنهم لم يصيغوها بشكل محدد ... هذا جعل هناك مشكلة دائما من عدم رضا الجيل الجديد بما يفعله الاقدمون , فنجد انشقاقات تارة مثلما حدث في جيل الوسط عام 1996 , ثم توالي الانشقاق عن الجماعة بشكل كبير جدًا مؤخرًا بين جيل الشباب الحالي خاصة منذ عام 2007 ممن يضيقون بعبائة التنظيم .... اليس كل هذا ناتج عن عدم وجود ارضية تنظيرية صلبة لتكون مرجع و بوصلة و تتم مراجعتها وفقا لما يستجد من امور كل فترة ؟؟؟ لا اظن ان جيل الوسط قد قام بتلك المراجعة او تقييم ليمزج بين الاسلوب الجديث المواكب للعصر و بين الاساسيات التي لا يجب ان يحيد عنها او حتي طور من اسلوب تربية النشئ ( و الذي كان يميز الاخوان بشكل مطلق عن بقيه التنظيمات و التكوينات الاجتماعية ان لديه نظريه معينه في التربية يفعلها لتؤتي ثمرها كشباب صالح ) و معني التطوير الذي اقوله هو الاطلاع علي كلالتغيرات و لكن التمسك في نفس الوقت بثوابت محدده معينه ... و التربية كانت مهمة للغاية , فالشباب في اي تيار هو الضمان الوحيد لاستمراره ... و هذا ما اعطاه جيل السبعينات للاخوان انه امدهم بشباب جعل دعوة الاخوان تبقي عقود بعد ان تجففت منابعهم في الستينات ...

ما يحدث اليوم هو نتيجة لعدم وجود اي رؤية استراتيجية و نقدية تتطور عبر الزمن و تحتفظ بثوابتها وتقف مع نفسها كل فترة لتفند المرحلة الماضية ... ما يحدث هو عدم تطوير في مناهج التربية ادي الي تراجع النوعية البشرية داخل الاخوان بالاضافة الي لفظ كل من يأتي بفكر مختلف ( لانه لا يوجد تطوير للاداء بشكل نظري صلب ) فلا يوجد الشباب المميز السبعيناتي الذي امد في عمر التنظيم ولا يوجد كفائات ذاتية ...
هل هذا معناه ان النهاية قد جائت ؟؟؟

بالطبع لا ... فالشباب لن يعيى في ايجاد متنفس لطاقته ... هذا يبدوا في الاهتمام بتوافه الامور لدي المعظم , و محاولة البعض الاخر في ايجاد اي متنفس يستوعب طاقته ... ولا ادل علي ذلك المبادرات الشبابية التي اصبحت موجودة في مختلف المجالات ( الثقافية و الادبية و حتي التأريخ العسكري ) و نموذج شباب الاولتراس المنظم جدًا دليل علي ذلك ... و حتمًا هم من سيشكلون المستقبل في العقود القليلة القادمة فمن لا يستوعبهم هو الخاسر و ليسوا هم ... قد تطول بهم المسافة الاصلاحية و لكن فليكن , هذا قدرهم ...
و لكني اعتقد ان شباب هذا الجيل و الاجيال التالية له لديهم فرصة جيدة للغاية - فهم شهود علي تحول ما بين عقدين ... كما ان لديهم نظرية صالحة لعصرهم وضعها فيلسوف من طراز نادر و هو الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله ... فليقوموا به ...كما قام تلامذة واتباع هيرتزيل باقامة نظريته ... ليستوعبوا منهجه في قياس الامور , فهو يؤسس للمرجعية المتجاوزة التي هي لب ثقافتنا , و يؤصل للهوية و الاعتزاز باللغة و مواجهة الاستهلاك فان استطعنا ان نتشرب تلك الفكرة و ان نبسطها لنا و لمن هم بعدنا و نؤصل لها في مناهج تربوية ... فإن شاء الله يمكن ان تكون لنا قائمة ان اخذنا بالاسباب دائما و استمررنا و لم نحبط و ربطنا التنظير بالعمل و بعد العمل نقد تقييم و هاكذا ...

ليكن عندنا بارقة امل ان يتصدى طليعة جيلنا المشهد السياسي بعد 20- 30 عام من الآن و لنحاول ان نستقرئ الاخطاء خاصة اني اجد ان التاريخ يكرر نفسه و لكن بشكل غير مكتمل .- ففي كل دورة تاريخية يضاف جزء لم يتكرر فيما قبل و يبني عليه ما بعده - لذلك لابد ان ننفذ من تلك المساحة التي تضاف عبر العصور لنحقق مرادنا :)


--------------------------------------
هناك خواطر فكرية اخري التمعت في ذهني من هذا النقاش و لكني سوف اكتبهم لاحقًا لان الموضوعات منفصلة تمامًا عن بعضها البعض