الثلاثاء، مايو 28، 2013

تجنيس ما لا جنس فيه , و تطبيع الجنس

منذ حوالي عام إستضافت قناة ما - شاهدت هذا الأمر بالصدفة - لقاء مع الكاتب البرازيلي باولو كويللو فكان الحديث عاديًا ثم جاء سؤال عن كيف يكتب القصة و كيف يستعد لها , فكانت إجابته انه يجامع ا لطبيعة ثم يحمل منها بذرة أفكاره و تنمو بداخل رأسه مع الوقت حتي تحين لحظة المخاض و تظهر القصة للنور . إستأت بشدة من هذا التعبير , رغم معرفتي بالديباجات ان الفن له الحق في استعمال كل شئ ,و لم أعرف أو أهتم بسبب إستيائي هذا و لم أعطي الأمر اهمية . فهو في النهاية كاتب أجنبي يمثل ثقافة مغايرة عن ثقافتنا , و رغم أن كتاباته في رواية مثل الكيميائي جيدة , إلا انه سبق و أن قلت اني أتعامل مع المنتجات الفكرية المستوردة بحرص - عكس المخترعات المادية الصماء - و لابد ان ننتبه من التضمينات القادمة معها جيدًا . 

منذ مدة قرأت مصادفة قصة قصيرة فكرتها عن تبادل الكتب بين شاب و فتاة و لكن الاسلوب شوه الفكرة تمامًا و جعل التبادل الفكري الراقي ينحط لممارسة جنسية عقلية !! انزعجت للغاية من هذا التعبير المبتذل خاصة ان طريقة التفكير تلك اصبحت عادية بيننا . و استدعيت لذهني ما قاله باولو كويللو و إنزعجت منه وجدت ان نفس اسلوب التفكير حيث إقحام الجنس في ما لا جنس فيه كأنه و اصبح موضة المثقفين و مدعي التحرر و الجراءة .  



لقد عرفت سبب نفوري من تشبيه باولو كويللو حين إذ ,فتشبيهه يجعل من الجنس هو المرجعية و مقياس الجمال. بمنتهى البساطة الجنس ليس هو المرجعية و ليس هو منتهي الجمال و المتعة لدي كي ننسب أليه كل ما نفعله !!! لقد سيطر هذا الامر علي جزء ليس بقليل من الثقافة الغربية عمومًا اليوم حتى أنهم ليتعجبون من مصافحة الأصدقاء العرب من الجنس الواحد بعضهم البعض لأن هذا الأمر لديه معني مشبوه لديهم . يأصبح في الخلفية أن أي صديق يكتب شعر في صديقه ( من نفس الجنس ) أو يعبر عن تقدير معين لا بد و أن يمارس معه الفحشاء !!! لم يعد هناك مكان للمشاعر البريئة فعلًا و أصبح الحرص يسيطر لانه تم غرس هذا الأمر قهرًا في الوجدان الجمعي , الطبيعة البشرية ترفضه بالتأكيد و لكن من قال ان الفطرة لا يتم مسخها ؟؟ 

سيقول المدافعون عن الغرب ليس الغرب كتلة واحدة , و لسنا أفضل منهم , بالتأكيد لا أعمم ولا أضفي الطهر علينا , و لكن لماذا نتقبل هذا الأمر و لا نحاول تحليل أسبابه لنواجهه ؟؟؟ الإعتراف بالمرض هو بداية العلاج .

هذا ما اسميه في تجنيس ما لا جنس فيه . 


أما الشق الآخر فهو تطبيع الجنس في حياتنا و إزالة خصوصيته , فهو فعل لا معني له في ثقافتنا إلا في منظومة الزواج و ما خرج عن ذلك نزل لمرتبة الزنا و هو من الكبائر .
 للاسف مؤخرًا وجدت أن هذا الاسلوب إنتشر كالنار في الهشيم , فإفيهات المدعو "باسم يوسف " تفيض منها التلميحات الجنسية و تقحمها في الأفيه اقحامًا سخيفًا , كي تطفي علي البرنامج جو جرئ و تحرري مفتعل , و لا ادري هل ينتبه الجمهور أو لا ينتبه للكلمة العابرة في وسط الكلام و لكنها تقول الكثير , و قد تفوت تلك الكلمة على الأجيال الأكبر سنًا من حسني النية , فللأسف أصبح السمت الطبيعي  هو تجنيس ما لا جنس فيه أو الظنون الجنسية التي تحتمل القولان و التأويل , و تكفي النظرة الخبيثة بعد الكلمة المقصودة كي تفي بالغرض كله .
مشكلة باسم في رايي أنه قد نجح بالفعل دون اللجوء لتلك الحيلة التي أعتبرها حيلة المفلسين في إستجلاب الضحك . أو تلميع اي شئ عمومًا , و هنا يتضح جليًا أهمية وجود مرجعية حاكمة لكل افعال الإنسان و ليست مجرد ( ضميره و عقله ) الخاص التي تتغير بتغير الظروف.
أمثلة باسم يستخدمون ذريعة خبيثة للغاية لتحصين أنفسهم تجاه منتقديهم , و هي انه يقول ان هذا البرنامج +18 فمن يتفرج هو من جنا علي نفسه !!! اصلا مصطلح +18 هذا دخيل علي ثقافتنا بإمتياز , فهل الخطأ بقدرة قادر يتحول لصواب بعد 18 عام ؟؟ ام ان الخطأ يظل خطأ سواء تحت او فوق 18 عام , متزوج ام غير متزوج . للأسف , غياب المرجعية يفعل اكثر من ذلك .  

كما أني وجدت إنعكاس هذا الأمر أيضُا في أي صفحة كوميديا علي الفيس بوك, هناك بعض الصفحات التي تحتص بوضع ترجمات مضحكة على الأفلام الأجنبية خارج سياقها الأصلي , و كثيرًا ما تطرح مسابقة لكتابة افضل تعليق , يهالني كم التعليقات من أفراد عاديين التي لها تلميحات قبيحة بدون اي مناسبة - كما ينظر البعض بأن بعض المواقف تستدعي البذاءة - فالدافع فقط هو الكوميديا !!!

هل لهذه الدرجة تحول الامر لثقافة قطاع من الشعب بعدما كان هذا الأمر قاصر علي ولاد الشوارع البيئة و ثقافة بعض من يزعمون التمرد و الليبرالية , أم ان المعظم يظن نفسه ليبرالي ولا يتقيد بالأخلاقيات البالية القديمة ؟؟  روايات علاء الاسواني من قبل كانت تقوم بترسيخ هذا المفهوم وسط النخبة التي تقرأ , و لكن الكتاب لا يدخل البيوت كما يدخلها برامج التليفزيون و تأثير البرامج الساخرة لا يضاهيها تأثير آخر . تقوم بنيته القصصية على البنية الجنسية , مع بعض الحبكة الدرامية بالطبع ... إن قيل  له قلل هذا المحتوى يقول أنه إبداع و الإبداع لا حد له و من يصيح بالإنضابط هم طيور الظلام المخلوقات الجامدة التى لا تفكر إلا بنصفها السفلي ولا تستوعب الفن الراقي  حسنًا .

إن كان الفن الراقي و إن كنت متمكن فعلًا من زمامه لماذا يتم مناقشة اي قضية دون إقحام الجنس فيها , هل هي انعكاسات تلك الفكرة في العقل الباطن و تخرج في طيات الكتابة و تحاط بالسور الحصين المضاد للإنتقاد ( فن و إبداع ) أم أنه من فراغ عقولكم ( لأن فعلا المشاكل التي نواجهها عديدة للغاية و شديدة التعقيد و و ليست تتمحور هذا الأمر فعلًا ) أم ماذا ؟؟
هل يغفل أي كتاب أو مبدع أن ريشة الفنان هي ما تحيك جزء من الواقع لانها تصور صورة معينة و ترسخها دون دراية من المشاهدين , فليس الجميع يمتلك عقلية نقدية و ليس الجميع لديه أساس سليم يمكنه من التفريق بين الحق و الباطل و بين الحلال و الحرام ....
 هل لم يمشي أحد هؤلاء الكتاب المحترمين الأفاضل ذوى الخيال المتقد و الموهبة الحقيقية في الطبيعة و شاهد الشروق او الغروب في لحظة تجلي بديعه ؟؟ هل لم يمر أحدهم علي مروج خضراء مزروعة بالنعناع مروية للتو ليشعر كم الإنتعاش الذي سيقابل روحه ؟؟
هل يفهم هؤلاء معني الصداقة الحق , و تهلل الأسارير بأن يري المرء من يحب ابتهاج روحي بحت ؟؟
هل لا يشاهد أي من  المشاهد التي تبعث فعلًا على راحة النفس كي يصفها بوصفها الحقيقي دون  تجنيسها ؟؟ 


التحليل النفسي الذي ذكره "فرويد " بعزو كل شئ للغرائز و الدوافع الجنسية" لم يُفهم علي سياقه الصحيح , فهو من قال أن الإنسان المتزن يكتفي من الجنس بعد الزواج لمدة خمس سنوات فقط  و يمضي بعد ذلك بفعل التعود و المودة * ( طبعًا لست اوافقه و لكنه رأي )

كما إن المصاعب النفسية التي خاضها شخص مثل "فيدتور فرانكل" مؤسس مدرسة الطب النفسي الثالثة في العلاج بالمعني ( أسس فرويد الاولي و أدلر الثانية ) في معسكر الإعتقال تغلب عليه بتخيل وجه زوجته محبوبته , و ذكر ان الجنس قد تلاشي تمامًا وسط الإنهاك الجسدي و ندرة الطعام الذي لاقوه في المعتقل**. 


بالطبع طبعًا لا أمانع من نقاش أي قضية كانت , و لكن ليكن الأمر في محله و بإسلوب راقي , لا أن يكون مقحم بفجاجة بدعوى الواقعية . ولا أريد القول أن لنا في قصة سيدنا يوسف في القرآن الكريم مثل أعلى .



من يضيق أفقه ليجعل هذة المتعة هي المبتدئ  و المنتهي و هي محل السخرية و مرجعيته في التشبيه و يكاد تفيض كل كلمة و كل تلميح منه بها هو المتحجر و هو الفاقد للإحساس بالجمال و الحب الحقيقي . المشكلة الأزلية التي لا ينتبه إليها دعاة التجزئة و عدم خلط الأوراق  هي أن القيم كل لا يتجزأ , فمجتمع تطربه النكات ذات تلميحات قبيحة ولا يستنكرها هو نفس المجتمع الذي تشكو نساؤه مر الشكوى من التحرش و هو من يتعامل مع اللائجات السوريات بمنطق أحط من الحيوان إستغلالًا للظروف إلا من رحم ربي , و هو نفسه من يهلل لصورة شاب و فتاة يتبادلان القبل في الطريق العام و يعتبره تتويج للحرية !!!



 منظومة القيم إما أن تُحاط بإطار واضح فيه الصواب و الخطأ و الحلال و الحرام أو ان نتركها لهوى كل فرد و لا جق لنا لمناقشة خيار أي انسان أيا كان .  طبعًأ أعترف أن تطبيق القوانين من قبل الدولة بشكل صارم على من ينتهك الحقوق أمر هام  الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. و لكن نحن نحيا في "شبه دولة " اليوم . فلا نطلب شئ يعتبر خيالي في ظروفنا الحالية .



 ===========================


* كتاب فرويد لإريك فروم Sigmund Ereud's Mission - an annlysis for his personality  - Erich fromm 



** كتاب الإنسان يبحث عن معنى , فيكتور فرانكل . Man's Search for Meaning -  Viktor Frankl