الخميس، ديسمبر 27، 2012

عن فلسفة الأزياء....

عن فلسفة الملابس و الأزياء ...
بداية , أي شئ في حياتنا له فلسفة ( يعني فكرة ) نتبعها , سواء أدركناها أم لم ندركها , الفارق أننا إن أدركناها قمنا بها  على أكمل وجه ,و إن لم ندركها قلدنا دون وعي نماذج غير مترابطة  أوحتي فعلنا الشئ  بوعيٍ جزئي ... 

عندنا درست رسم الباترون لفترة , وجدت ان 70% من المنهج مُنصَب علي الملابس الحريمي , و الباقي لملابس الرجال و الأطفال .. إذن فهو فن حريمي بإمتياز ... غالبًا ما تكون ملابس الرجال عبارة عن زي موحد تبعًا للمهنة التي يعملون بها ( جنود - مهندسون - عمال في مصانع - أطباء - قضاه - رجال دين - حتي في الطبقة الحاكمة أو الأرستقراطية  كان الزي عبارة عن إنعكاس للمكانة الإجتماعية ) لذلك فتتبع موضة و أزياء النساء يكون أهم يليه في الأهمية  ملابس الرجال . 
هذا بالمناسبة لا يوجد به أي نوع من التجني أو التنميط أو النظرة القاصرة أو شابه من الكلام المعتاد أن يُقال إن تعلق الحديث عن الملابس ... لماذا ؟؟
لأنك في المناسبات العامة أو في أي مجال عام لن تكون هناك فرصة للحديث مع الجميع كي تتبين شخصياتهم , فيكون الزي هو رسالة إجتماعية صامتة للتعريف المبدئي بالشخص ... ليس هو كل شئ بالطبع , و لكن في نفس الوقت لا يمكن  بأي حال إغفاله . 
فن تصيم الباترون و الأزياء عمومًا بهذا الشكل الحديث المدروس من الفنون الغربية ( أو هذا ما قراته إن كانت هناك معلومة أخرى لا أعلمها فلتخبروني بالتوثيق ) و كانت أزياء النساء فيما مضى أكثر إحتشامًا ككل , و كلما زاد تعقيد الملابس ( خاصة في عصر النهضة الأوروبي ) كلما كانت تعكس مكانة المرأة الإجتماعية , فكانت الفساتين ذات جيبات منفوشة للغاية و تتكون عن عدة طبقات , تناسب القصور الواسعة و الحفلات الراقصة و  الدنيا خالية من الزحام تقريبًا ... و ظلت مرحلة الإحتشام لفترة , ( حتى أنني أذكر صورة من أوائل القرن الماضي للاعبات تنس كن يرتدين فساتين ذات جيبات طويلة و كان لبسهن غريبًا غير مألوف ) , و لكن بمرور الوقت في القرن الماضي تغيرت لفلسفة الملابس كثيرًا ( خاصة فيما يتعلق بالنساء ) , حتي وصلنا لمرحلة ما بعد الستينات و ثورة الشباب في الغرب ... فاصبح مصطلح   well undressed woman كما قال د.المسيري - رحمه الله -  هو السائد , تعكس فلسفة مغزاها ... أن أظهر ما أمتلك من جمال , فجسد المرأة من أجمل ما خلق الله فعلًا وعليه ظهرت نظريات للألوان و تقسيمات  الجسد و كيفيه مداراه العيوب التي توجد عند البعض بالملابس , وأصبحت الأزياء تجارة في حد ذاتها و تراجعت القيم القديمة ( مثل الإحتشام ) و ظهرت قيم جديدة تزكي إستهلاك الملابس , منها أنه إن كان لدينا شئ جميل فلنظهره و لنتمتع بالجمال , أن  الإحتشام مرادف لكبر السن و كلما كانت الفتاة اصغر سنًا كانت أكثر قدرة علي عرض جمالها و التباهي به , كما أصبح التحرر من أي سلطة  و أصبحت حفلات المناسبات ا لسنيمائية اليوم هي البديل للحفلات  الراقصة الأرستقراطية فيما مضى  مصمم الأزياء الناجح هو ما يمكنه إبتكار ملابس تناسب من تأتي إليه ... فيظهر مكامن الجمال و يخفي العيوب إن وجِدَت و يختار الوان تناسب العميلة , و تكون تلك الإحتفالات بالنجوم , بالإضافة لعروض الأزياء , هي ما تحدد موضة العام , بل و الفصل ( الصيف و الخريف و الشتاء و الربيع )  و تدخل تلك العملية في منظومة الإستهلاك , فألوان هذا العام  و موضاته تختلف عن الوان العام السابق أو التالي , و يصبح خارج الأناقة كل ما لم تتبع تلك الموضة و الوان الموسم  , ما  كما يتميز الغرب بالدقة و التحديد , فهناك ملابس لكل مناسبة تقريبًا , ملابس للبيت و ملابس رسمية للعمل أو للدراسة  و آخرى رياضية للنادي و ملابس للسهرات الرسمية و آخرى للملاهي الليلية  و ملابس للبحر إلخ ,  







بالنسبة إلينا , فهناك مرجعية متجاوزه فيما يتعلق بفلسفة الملابس لدي المؤمنين بالدين الإسلامي عمومًا , و هي ما تمنع تحول موضات الملابس رأسًا علي عقب مثلما حدث في الغرب , فكان فيما مضى الإحتشام دليل علي الرقي , و لكن اليوم أصبت يُنظًر للإحتشام نظرة إجتماعية و نفسية سيئة ... الأمر ليس كذلك , فالفلسفة المهيمنة المتجاوزة هي التستر و الإحتشام , و قيمة جسد المرأة لا يُنظر إليه علي أنه مجرد "شي " من أجمل "الأشياء" التي خلقها الله , ( لابد من عرضها أو إخفائها تمامًا ... لذا لا أستسيغ النقاب من الناحية الفلسفية لأنه أيضًا ينظر للمرأة علي انها شئ و يمحو إنسانيتها تمامًا بمحو وجهها المميز لها , و إن كنت أتقبله كمكرمة شرعية فربما تفكر من ترتديه أنها لا تكون متاحة للجميع فهذه قناعات شخصية بحته ) فالأمر إذن  ليس مجرد نظرة جزئية عن حرية ملابس أو ما شابه , و لكنه جزء من منظومة إنسانية متكاملة , و لأن المسالة كما هي غالبية المسائل  تُنظَر لها من خلال  الثنائية فضفاضة , فلم يحدد الشرع زيًا معينًا بعينه ( و الا فقد الاسلام قدرته و جدارته ليكون دين خاتم مناسب لأزمنة و أمكنه مختلفة فهناك بعدًا حضاريًا مختلف مميز لكل منطقة لابد ان يُحترم و لكن خلال الإطار المنظم الأساسي الذي يُحدده الإسلام ) و لكنه إكتفى بتحديد عدة مواصفات لهذا الزي ( بالنسبة للنساء لانها كما قلت قضية نسائية بإمتياز ) 

بالنسبة  للأزياء في مصر فهي - شأنها كشأن أغلب الاشياء في مصر - بدون هوية , فالغالبية عبارة عن مجرد مسخ لا معني له ولا يعكس أي قيمة حضارية في رأيي , فغالبية الفتيات لا تدري لمااذ تفعل أو ترتدي زيًا ذلك الا أنه الموجود في السوق و الموضة كدا أو كانت فكرة جزئية في انها ترى في ذلك انعكاس لحريتها ... دون إدراك للنموذج المعرفي الكامن وراء الملابس , فلا ادري هل هي تنتمي لمدرسة الإحتشام أم مدرسة عرض الجمال ... فالغاليية ترتدي قطعة قماش علي الرأس دون معني حقيقي للإحتشام ( و يؤسفني هنا أن اقول و أكرر لفظة إحتشام فقدْ فَقَدَ الحجاب -للأسف الشديد- المعني الضمني له من سوء تعامل الناس معه ) سدًا لذريعة فرضية الحجاب , و تريد - في نفس الوقت - أن تُقلد بشكل جزئي معني عرض الجمال , فيتم إرتداء ما هو موجود في السوق بدون وجود أي نظرية للبس , ولا حتى مراعاة لأبعاد الجسد نفسه أو مداراه للعيوب , فكثيرًا ما نجد ملابس لا تناسب الأجسام المصرية التي تميل للسمنة بأي حال من الأحوال , و أيضًا  نجد أزياء تصلح للإحتفال أو السهر توجد بداخل الجامعة صباحًا و للممفارقة العجيبة أني وجدت أن زي الطالبات الأجنبيات في الجامعة الأمريكية أكثر قبولًا و منطقية من زي الطالبات المصريات في جامعة القاهرة الذي يصلح لحفل راقص صاخب ليلي  !!!! ( و تفسير ذلك لدي أن فكرة الدقة في الزي غير موجودة عندنا و هي فكرة تلائم الذوق الغربي أكثر , فكثيرًا ما كنت أري البعض يسير في الشارع بالبجامة و شبشب الحمام البلاستيك أو إسدال الصلاة البيتي أو أحدهم يتفرج من البلكونه علي الريق العام و يقف بالفانلة الداخلية و غالبًا ما نجلس في البيوت بنفس ملابس النوم :) ) 

هناكك تفسير آخر - لشيوع هذا النمط الغريب في الملابس - فالأزياء تُصنع , علي مقاسات ثابته , قد لا تناسب تلك المقاسات هذا التنوع في الأجساد خاصة المصري منها فالمقاسات التي نصَنِّعْ عليها غربيٍة عمومًا فكان هناك عدد كبير من المقاسات لا يكون مناسبة للمقياسات المحلية , و لذلك كانت الأزياء غير محددة المعالم التي تأخذ شكل جسد من ترتديه حلًا إقتصاديًا لصانعي الملابس , فهم يضمنون أقل فاقد ممكن و أن غالبية البضاعة سيتم بيعها فهي تعالج مسالة الفروق الفردية المختلفة من شخص لآخر و التي تؤدي - فيما مضى - إلي مرتجع كبير ... 

و لا أريد أن يتم النظر لفن الأزياء الغربي بالأساس علي أنه صنيعة الغرب التي ظهرت في سياقها و لا تناسبنا , رايي أن الأزياء و نظريات اشكال الجسد و مداراة العيوب هي منتج من المنتجات الإنسانية التي تُوظَّف تبعًا للسياق التي توضع فيه ... فهي مجرد فرس تسير بك حيثما توجهها ...  

 الحجاب - إلى جانب أنه فرض رباني - إلا أن له فلسفة كامنة وراءه , لابد من إستيعابها جيدًا عند تنفيذ هذا الأمر الإلهي , فحتي لا يتحول إلي مجرد عادة خالية من المضمون , لابد من التركيز علي " الفهم " لأنه تغيير جواني بالأساس و ليس مظهريًا فقط ... 
و علي الرغم من أنه شئ يتعلق بالمظهر , إلا أنه الرسالة الأولي التي تتم بين الأفراد , و يكون متضمن شفرة إجتماعية   مبدئيًة ( لا يجيد الجميع قرائتها بالمناسبة فليس كل الملابس سواء حتى و إن اشتركت ظاهريًا في بعض السمات ) , فالزي يعكس شيئًا من الأفكار , و ما تجمعت مع فتيات لهن نفس التفكير الا ووجدت نمط أزيائهن يحمل شيئًا مشتركًا دون إتفاق ... و من خلال نمط معين من الملابس و الألوان و طرق ربط الطرحة و اسلوب الكلام و السير ... يمكنك ان تحدد المستوى الثقافي للمرء ...هذا إن إمتلك الشفرة الإجتماعية ... 


ملحوظة :
--------

بالنسبة لرأيي في النقاب أرجو أن لا يُثير حفيظة أحد , هذا في النهاية رأيي الخاص لا علاقة له بأي شئ , و لا يمكنني أن أنكر شئ لم يحرمه الإسلام , أقره و لكن لم يُجِبه ... عكس السفور الذي هو مرفوض شكلًا و موضوعًا , و كل المحاولات البائسة التي تحاول ان تُنظِر له و لوجوده في الدين هي مجرد تأثُر غربي و محاولة للي عنق الحقيقة ... النموذجان المعرفيان لا يلتقيان ... بكل سماتهما و من ضمن تلك السمات ( الحجاب ) .