الأحد، ديسمبر 01، 2013

مشكلتي مع ما بسمى بالطرح الإجتماعي الثوري


لدي مشكلة مع الطرح الإجتماعي الذي يزعم أن يكون ثوريًا في عدة محاور:

-  التغييرات الإجتماعية عمومًا تغييرات بطيئة ,و ما يأتى سريعًا فيها يذهب سريعًا , لانه قد يكون منبني علي تأثر انفعالي عاطفي عابر لا تأثر عقلاني عميق حقيقي مستمر ,  أيضًا لأنها هذا النوع من التغييرات لا يتحكم فيه محدد واحد أو عدة محددات يسهل التحكم فيه , علي العكس , عدد المحددات و المؤثرات التي تتحكم في هذا الأمر تكاد تكون غير محدودة ولا يمكن التحكم فيها بشكل كامل . كل ما يمكننا فعله هو محاولة دراسة ما يمكننا فعله و ترك الباقي التفاعل يأخذ مجراه و لكن نحاول تقييمه و تصويبه دائمًا إن إعتراه خلل . 


- المشكلة الأزلية التي نعاني منها و أزعم أنها سبب كل مشاكلنا المعاصرة هي الانفصال ما بين النظرية و التطبيق بشكل شبه كامل , لا المنظرين يعيشون في الواقع بكل تعقيداته ولا التطبيقات تستند إلي مرجعيات . و كل مصمم علي السير في طريقه بدون اي تنازل لذا تنفرج الزاوية ما بين الإثنين و نسقط في الضياع ... 


- عندما يتم الحديث عن التعدد مثلا , أو أن الزواج لا ينبغي أن يكون كاثوليكيًا ( أي ارتباط أبدي بل يمكن الإنفصال عادي و لابد تقبل هذا الامر ) هل هذا الطرح طرح مسؤول متناسب مع الواقع الذي نعيشه ؟؟ الواقع الذي نعايش  له مستويات عديدة , فهو تارة يعاني من صعوبة الزواج ( لاسباب كثيرة منها الكارثة الإقتصادية و منها عدم وجود ثوابت اخلاقية و منها الملائمة ) مجتمعنا يعاني من زيادة معدلات الطلاق , يعاني اصلا من ان الرجال لا يستوعبوا النساء و النساء لا يستوعبن الرجال , أصبح هناك فصل حدي مفتعل يؤثر علي صحة العلاقات الانسانية بين الجنسين أو انخراط كامل دون أي مرجعية او ضوابط بينهما و يكون الفعلان ردًا على أحدهم الاخر ...


- النموذج المختزل الذي يتم ترويجه  دائمًا ما يقدم نتيجة نهائية و صورة نمطيه , و يتجاهل التفاعلات الإنسانية العديدة المعقدة التي تحدث في الخلفية و الكواليس ... و هذا يدمر في العلاقات الإجتماعية اكثر منه يبني  و لأننا للاسف لم نربي علي نمط نقدي او باحث عميق , نجد ان من يرى تلك الصورة يحاول تقليدها بحذايرها , و يتجاهل كم المعاناة و التفاعلات التي تمت في الخلفية التي نتج عنها تلك الصورة الجميلة و التي ما ان اقتربت منها ستظهر لك نقائصها البشرية مثلها مثل أي شئ ... 
دائمًا ما ننظر للناجح علي انه ذكي و عبقري , ولا نرى كم التعب الذي بذل و السهر و العرق و البحث و انهيار الاعصاب كي يحصل علي ما هو فيه من مكانه , نظن ان البيوت الجميلة لم يقدم في مقابلها الكثير من التفاهم و الصبر و قبلهما التأني في الإختيار و السعي لإنجاح هذا البيت ايا كانت الصعاب و عدم الاستسهال و التخلص من الانانية و تقديم قيم البذلو العطاء . 


- قد تكون الافكار التي تنادي لها في المطلق صحيحة ولا يختلف عليها أحد , و لكن لابد أن نري الي اين نخطو و ما هو موضع قدمنا حتى لا نذل و نقع و تكون تلك الافكار رغم صحتها وبال علينا , الارضية الطينية ينزلق عليها الاساس مهما كان جيدًا ولا يكون ثابتًا , فلابد من العمل علي التربة نفسها ( تجففها و تدكها و تساويها ) حتي تكون صالحة للبناء . مهما كان شرابك صافيًا لن يكون ذي قيمة و سنضطر للتخلص منه إن وضع في كوب شديد الإتساخ , لابد من تنظيف الكوب ليسهل عليه حمل الشراب الصافي و التمتع بطعمه الجميل . دائمًا هناك عوامل لابد من الإنتباه لها حتي لا نقع في شرك بحس نية و ينقلب الامر كله علينا ... النوايا الحسنة لا تشفع لتوقف السنن الكونية .  
ما يحدث مثلا في موضوع التعدد لا يكون بنفس المثالية الذي يتم به ترويج الافكار , و لكن يكون غالبًا ما ينفصل الرجل عن زوجتة التي صبرت عليه في وقت فقره و تنازلت عن الكثير من حقوقها حتي وصل الي ما وصل اليه ثم اراد ان يستمتع بهذا النجاح فبدلًا من مكافئتها طلقها او تزوج بآخرى اصغر منه بكثير و اصبح يغدق عليها من المال ما يقتر به علي الاولي ام الابناء . هناك عدة أمثلة للتعدد ( زواج من 3 و ليس حتي 2 ) اراها في دوائر اصدقائي و هي كارثية للاسف , يبحث فيها الرجل عن ما يرضيه فقط ولا يفكر في الاخرين و غالبًا ما يكون الاطفال و عدم تربيتهم هو الثمن الذي يدفع لإختلال الميزان . الظريف ان المستفيد من هذا الوضع هو امرأة اجنبية الزوجة (الأخيرة ) الذي كفل لها القانون الوضعي ما لم يكفل التطبيق المخل للقانون الإلهي للزوجتان المصريتان . 

أي فتنة نتحدث عنها ؟؟ الم يكن من الأولي ان نتحدث عن إعلاء قيم مثل العدل و حسن المعاملة ؟؟ ان نعطي الواجبات التي علينا قبل أن نسعى لأخذ حقوق نظن انها لنا ؟؟ ليس حديثًا نظريًا نسخر منه و لكن يكون حقيقي من الشيخ لتلامذته و مريديه و بين الاخ الاكبر و الصديق لأصدقاؤه , اذكر مثلا والد صديقة لي كانت تحكي لي عنه انه كان يرفض دعوات الغذاء المفاجئة من اصدقاؤه لانه كان يشفق علي الزوجة المسكينة من اعداد طعام مفاجئ و يؤدب أصديقاؤه و يعلمهم كيف يحسنوا التعامل مع النساء !!! هذه هي النماذج و القيم التي يجب ان تتداول و تروج . 


المشكلة الاساسية في الفهم , لا يفهم الكثير ولا يعرف كيف يوصف إحتياجاته , و بدل من ان يحاول فهم نفسه يبحث عنها في قراءة قصة او مشاهدة فيلم,  لا يفهم مشاعره ولا ما هي طبيعته ( هل هي طبيعة عاطفية بحتة تريد مشاعر متؤججة أم طبيعة عقلانية ام طبيعة مرحة مهزارة ام طبيعة تميل للخروج و الاستكشاف و ارتياد الرحلات أم جوانية تكتفي بالتأمل و الصمت أم برانية تستطيع ان توزع مشاعرها علي العالم ليضئ بها  ام ام ام ) لا يوجد نمط واحد لفهم الجميع , هل ما يستطيع الاخرين تحمله هل يمكن أن اتحمله انا بمنتهي الواقعية و لفترة طويلة  ؟؟ هل اصلا مررت بمراحل التطور الانفعالي للمرء ( الإعتمادي  - الإستقلالي - التشاركي )  و هي ان يشبع من حب والديه و يكون معتمد عليهم في فترة ما من حياته في مرحلة الطفولة , ثم يمارس مراهقته في البحث عن الذات  و محاولة التفاعل مع العالم و الاستقلال , ثم النضج بإدراك المرء انه لن يمكن ان يستمر او يعمر الكون و هو مستقل و ( مع نفسه ) فلابد من التشارك و العطاءالطوعي , يبحث عن عمل و شريك حياة ليكون هذا تتويج لحياته .. 

الكثيرين لا يزالوا عالقين في مرحلة الطفولة النفسية حيث تفعل لهم اسرهم كل ما يريدون , هم لم يطروا ذواتهم و يستقلوا و يقوموا بأمورهم  و بالتالي لا يمكنهم التشارك و العطاء طواعية ... هم ما يزالوا اطفال يريدو الأخذ غير المشروط من الطرف الاخر و فقط . أو قد يظهر هذا الامر في النساء حيث تكون البنت بنت امها و تعتمد عليها اعتمادية شديدة في كل شئ تقريبًا و لا راي لها و يشعر الزوج انه تزوج بحماته لا بإبنتها !!!

هناك ايضًا من لا يزالوا عالقين في مرحلة المراهقة , حيث الاستقلالية الشديدة بالنفس و عدم الإكتراث بالآخرين , ولائهم لاصدقائهم فقط و ليس للأهل ولا حتي للأسرة التي كونها , لا يزال يخوض مغامرات عاطفية و غير قادر علي تحمل مسؤولية جادة . هم غير قادرين علي العطاء الطوعي لانهم لا يريدون اي قيود من الآخرين ... 


هناك قيم كثيرة جدًا تأسيسية لابد من تقديمها بشكل عملي قبل ان نطلب من المجمع ان يتغير , و قبل ذلك علينا بدراسة واقعية لمشاكلنا التي نراها في الحياة , و علي كلٍ هي علاقة تفاعلية لا نهائية , كل يقدم ما يقدر عليه في رحلة  الإنسانية المتنوعة بشكل رهيب .